الجملة الإنجيلية والانطباع عليها وتعويج اللسان بها، وإما الجهل من حيث هو الجهل أو من حيث هو الضعف ".
فأنا أقول إن الوجوه الثلاثة متوفرة في السبب ولكن الوجه الأول هو
أقواها، وأصحاب هذا الوجه منهم من يريدون هدم الأمة في لغتها وآدابها خدمة لمبدأ الاستعمار الأوروبي، ومنهم من يشير باستعمال اللغة العامية بحجة أنها أقرب إلى الأفهام، ولكن منهم من لا يحاول هدم الأمة في لغتها وآدابها لا حبًا باللغة والآداب، ولكن علمًا باستحالة تنصل العرب من لغتهم وآدابهم، ولذلك ترى هؤلاء دعاة إلى اللغة والآداب على شرط أن لا يكون ثمة قرآن ولا حديث، وأن تكون الصيغة لا دينية، وحجتهم في ذلك حب التجدد وكون القرآن والحديث وكلمات السلف كلها من القديم الذي لا يتلاءم مع الروح العصرية في شيء، وآخرون حجتهم في ذلك النزعة القومية التي هي بزعمهم تناقض النزعة الدينية، وأصحاب النزعة القومية هؤلاء يقولون إنها من باب التجدد، وإن روح القومية هي السائدة في هذا العصر، فالدين والمعاصرة نقيضان لا يجتمعان، فأما إذا سألهم سائل قائلًا إنكم وأنتم من دعاة التجدد ومن قراء الآداب الأوروبية لا تنكرون أن كتاب أوروبا اليوم من فرنسيس وألمان وإنجليز وطليان وإسبانيول وروس. . . الخ الخ إنما آدابهم كلها مأخوذة من اللغات القديمة كاليونانية واللاتينية وأن آيات التوراة والإنجيل تدور على ألسنتهم وأقلامهم جارية فيها مجرى الأمثال لا يكاد يخلو منها خطاب ولا كتاب حتى إن المنفضين منهم من العقيدة يتكلمون بلغة من الإنجيل والتوراة، وهذا كليمنصو الذي لا يوجد على الدْين حرب أشد منه، كان يجاوب بعض من اعترض عليه
من أجل بعض نقاط في معاهدة فرساي قائلًا: "ادخلوا في فرح المعاهدة
تجدوها كما تريدون " ومعروف أن جملة "دخل في الفرح " هي آية إنجيلية
"ادخل في فرحِ سيدك " وهذا شيء لا يمكن أن يحصى إلا إذا أحصيت رمال
يَبرِين وإنما نريد أن نثبت به كون التجدد والمعاصرة لم يمنعها بقاء لغات أوروبا، وآدابها على صيغتها - القديمة ومآخذها من التوراة والإنجيل ومن شعراء يونان وخطباء رومة، وأن أدباء أوروبا في هذا العصر يستهجنون اختراع إنشاء جديد وأسلوب غير مألوف ويحسبونه مخالفًا للذوق ويتمثلون بمعان غابرة لم يبق لها أَثر؛ أنظر هل بقي أثر للقوس والنشَاب، في أوروبا، وهل يوجد أعرق في
القُدْمةِ من القوس والنشاب؛ صهالى هذا اليوم يقولون:
[. . .]
1 / 30