متعجّبين وعلى الاستفادة متهافتين يسألون: عمّن شاهدته من الهند حتى أخذت عنه؟ وأنا أريهم مقدارهم وأترفّع عن جنبتهم مستنكفا، فكادوا ينسبونني الى السخر ولم يصفوني عند أكابرهم بلغتهم إلا بالبحر والماء يحمض حتى يعوزا «١» الخلّ، فهذه صورة الحال، ولقد أعيتني المداخل فيه مع حرصي الذي تفرّدت به في أيّامي وبذلي الممكن غير شحيح عليه في جمع كتبهم من المظانّ واستحضار من يهتدي لها من المكامن ومن لغيري «٢» مثل ذلك إلا أن يرزق من توفيق الله ما حرمته في القدرة على الحركات عجزت فيها عن «٣» القبض والبسط في الأمر والنهي طوي عنّي جانبها، والشكر لله على ما كفي منها؛ وأقول: إنّ اليونانيين أيّام الجاهلية قبل ظهور النصرانية كانوا على مثل ما عليه الهند من العقيدة، خاصّهم في النظر قريب من خاصّهم وعامّهم في عبادة الأصنام كعامّهم، ولهذا أستشهد من كلام بعضهم على بعض بسبب الاتّفاق وتقارب الأمرين لا التصحيح فإنّ ما عدا الحقّ زائغ والكفر ملّة واحدة من أجل الانحراف عنه، ولكنّ اليونانيّين فازوا بالفلاسفة الذين كانوا في ناحيتهم حتى نقّحوا لهم الأصول الخاصة دون العامّة لأنّ قصارى الخواصّ اتّباع البحث والنظر وقصارى العوامّ التهوّر واللجاج إذا خلوا عن الخوف والرهبة يدلّ على ذلك سقراط لمّا خالف في عبادة الأوثان عامّة قومه وانحرف عن تسمية الكواكب «آلهة» في لفظه كيف أطبق قضاة أهل اثينية الأحد عشر على الفتيا بقتله دون الثاني عشر حتى قضى نحبه غير راجع عن الحقّ؛ ولم يك للهند أمثالهم ممّن يهذّب العلوم فلا تكاد تجد لذلك لهم خاصّ كلام إلا في غاية الاضطراب وسوء النظام ومشوبا في آخره خرافات العوامّ من تكثير العدد وتمديد المدد ومن موضوعات النحلة التي يستفظع أهلها فيها المخالفة، ولأجله يستولي التقليد عليهم وبسببه أقول فيما هو بابتي منهم أنّي لا «٤» أشبّه ما في كتبهم من
1 / 21