بلادهم ما صاروا به هباء منثورا وسمرا مشهورا، فبقيت بقاياهم المتشرّدة «١» على غاية التنافر والتباعد عن المسلمين بل كان ذلك سبب انمحاق علومهم عن الحدود المفتتحة وانجلائها إلى حيث لا يصل إليه اليد بعد من كشمير وبانارسي وأمثالهما مع استحكام القطيعة فيها مع جميع الأجانب بموجب السياسة والديانة. وبعد ذلك أسباب ذكرها كالطعن فيهم ولكنّها حافية «٢» في أخلاقهم غير خفيّة، والحمق دآء لا دوآء له؛ وذلك أنّهم يعتقدون في الأرض أنّها أرضهم وفي الناس أنّهم جنسهم وفي الملوك أنّهم رؤساؤهم وفي الدين أنّه نحلتهم وفي العلم أنّه ما معهم فيترفّعون ويتبظرمون «٣» ويعجبون بأنفسهم فيجهلون، وفي طباعهم الضنّ بما يعرفونه والإفراط في الصيانة له عن غير أهله منهم فكيف عن غيرهم، على أنّهم لا يظنّون أنّ في الأرض غير بلدانهم وفي الناس غير سكّانها وأنّ للخلق غيرهم علما حتى أنّهم إن حدّثوا بعلم أو عالم في خراسان وفارس استجهلوا المخبر ولم يصدّقوه للآفة المذكورة، ولو أنّهم سافروا وخالطوا غيرهم لرجعوا عن رأيهم؛ على أنّ أوائلهم لم يكونوا بهذه المثابة من الغفلة، فهذا «براهمهر» أحد فضلائهم حين يأمر بتعظيم البراهمة يقول: «إنّ اليونانيين وهم أنجاس لمّا تخرّجوا في العلوم وأنافوا «٤» فيها على غيرهم وجب تعظيمهم فما عسى نقوله في البرهمن إذا حاز إلى طهارته شرف العلم؟» وكانوا يعترفون لليونّانيين بأنّ ما أعطوه من العلم أرجح من نصيبهم منه، ويكفيك دليلا عليه من مادح نفسه وهو يقرئك السلام؛ إنّي كنت أقف من منجّميهم مقام التلميذ من الأستاذ لعجمتي فيما بينهم وقصوري عمّا هم فيه من مواضعاتهم، فلمّا اهتديت قليلا لها أخذت أوقّفهم على العلل وأشير إلى شيء من البراهين والوّح لهم الطرق الحقيقيّة في الحسابات فانثالوا عليّ
1 / 20