الْمُلُوك أسهل من سياسة السُّفَهَاء لِأَن الْمُلُوك أحسن طَاعَة وأسلس انقيادا وَأعرف بالصنيع وأرجى للمكافآة وسياسة السفلة صعبة واستياقهم إِلَى الْإِرَادَة متعبة وَقد رَأَيْت رَأيا يَكْفِي بِهِ الْملك مُؤنَة قَتلهمْ إِن استصوبه وَتجمع لَهُ بِهِ طاعتهم ويتعبدهم ويتخلص بِهِ نياتهم ويخلص من الْإِثْم بسببهم وَهُوَ أَن يعمد الْملك إِلَى أَوْلَاد الْمُلُوك والرؤساء كلهم فَيقسم المملكة بَينهم ويفرد كل وَاحِد مِنْهُم بِبَلَدِهِ ويأمره أَن يُؤَدِّي الأتاوة عَنْهَا ويجعلها وظائف فِي أَيْديهم فَإِنَّهُ إِذا رأى الْمَالِك مِنْهُم أَنه قد سَاوَى نَظِيره فِي التَّمَلُّك لم تطعه نَفسه الإنقياد إِلَى من هُوَ مثله وَإِذا تبين أحدهم مِقْدَار الطَّائِفَة الَّتِي فِي يَده نقصت همته عَن مَعْصِيّة الْملك وَالْخلاف لأَمره فتجتمع للْملك طاعتهم وَيَكْفِي مَا يخوفه مِنْهُم وَرَأى الْملك العالي الْمُوفق فَفعل الْإِسْكَنْدَر ذَلِك بِمَا أَشَارَ بِهِ أرسطا طاليس فَلم تزل الْمُلُوك تُؤدِّي الأتاوة إِلَى مُلُوك الرّوم خَمْسمِائَة سنة ونيفا إِلَى أَن ملك أردشير بن بابك فَكَانَ يَقُول إِن مُلُوك الأَرْض ضربوا بِسيف أرسطا طاليس خَمْسمِائَة سنة يَعْنِي تَدْبيره وتفريق كلمتهم
وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء لَا تستكف إِلَّا الكفاة النصحاء وَلَا تستبطن إِلَّا الثِّقَات الْأُمَنَاء وَإِذا استكفيتهم شغلا أَو وليتهم أمرا فَأحْسن الثِّقَة بهم وأكد الْحجَّة عَلَيْهِم فَإِذا رَأَيْت مِنْهُم غدرا وتبينت مِنْهُم عَجزا فاستبدل بهم وَاسْتَوْفِ مَالك عَلَيْهِم وَلَا تقلد مِنْهُم أحدا وَلَا تعتمد عَلَيْهِم أبدا فَمن عَارض مَعَ الإستقلال وَالْأَمَانَة قمع كفاته وعماله وَمن قلد مَعَ الْعَجز والخيانة ضيع أَعماله وَمَاله
1 / 141