الأدلَّةُ على هذه المَصَادِرِ الأَرْبَعَةِ
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩].
وقد اختلفت آراء المفسرين في المراد بأولي الأمر في الآية؛ فذهب بعضهم إلى أنهم العلماء الذين يفتون في الأحكام الشرعية، وذهب بعضهم إلى أنهم الخلفاء الراشدون، وذهب البعض الآخر إلى أنهم أمراء السرايا.
ولا شك أن المراد بطاعة الله العمل بما جاء في كتابه، وبطاعة الرسول العمل بما صح عنه من الأخبار والآثار.
أما وجه الاستدلال بالآية على حجية الإجماع، فهو - كما يرى الفخر الرازي - أن المراد من "أولي الأمر" "أهل الحل والعقدة" فالله - تعالى - ذكر ثلاثة طاعتهم واجبة، وهم: الله، ورسوله، وأولو الأمر، والله ورسوله مقطوع بعصمتهما؛ فوجب أن يكون أولو الأمر كذلك. أما وجه الاستدلال بالآية على حجية القياس، فقوله فيها: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾.
حيث نرى أن موضع الآية الثانية غير موضع الآية الأولى؛ إذ لو كان الموضع واحدا، وهو السائل المنصوص على حكمها في الكتاب، أو السنة، أو الإجماع - كما يفهم من الآية الأخيرة لكان قوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ....﴾ تكرارًا محضًا؛ إذ يؤول الكلام إلى: أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فأطيعوا الله ... إلخ. وذلك لغو ينزه القرآن عن مثله.
وحيث اختلف الموضوع، فكان محل الآية الأولى الأحكام المنصوص عليها، ويكون محل الثانية الأحكام الغير منصوص عليها أو على حكمها، وهذه يمكن تعرُّفها من النصوص الشرعية بعد معرفة العلة التي يناط بها الحكم في محل النص، وبعد معرفة تحققها في الحادثة التي لم ينص عليها، فكأن الله - تعالى - يقول: فإن تنازعتم في شيء، لا تجدون له نصًا - فردوه إلى المنصوص في الكتاب أو السنة، بإعطائه حكمه بعد الاشتراك في المناط المعتبر.
وبذلك تكون الآية قد دلت على حُجية الكتاب، والسُّنة، والإجماع، والقياس. وأما مأخذ هذه الأصول من السُّنة، فالأمر ظاهر بالنسبة للكتاب الكريم الذي قال الله فيه: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وكان ذلك دليلًا على حُجية السُّنة من وجه آخر.
1 / 13