[5.5-6]
{ اليوم أحل لكم الطيبات } كرر أحلال الطيبات تأكيدا للجملة قبلها ولما يعطف عليها من قوله: { وطعام الذين أوتوا الكتاب } ، وهو عام مخصوص خصة الجمهور بذبائحهم سواء أسموا اسم الله على الذبيحة أم لم يسموا، وما كان حراما على المسلم أكله وإن كان أهل الكتاب يأكلونه كالميتة والدم والخنزير فلا يجوز لنا أكله وان كان ذلك من طعامهم. وذهبت الزيدية والامامية الى أنه لا يجوز أكل ذبائحهم فأما ما كان مما هو طعام لهم وليس من الذبائح كالخبز والفواكه فلا خلاف بين المسلمين في جواز أكله وأصل الكتاب هم اليهود والنصارى المتأصلون في ذلك لا من تهود وتنصر من العرب وغيرهم لأنهم لم يؤتوا الكتاب ومن العلماء من أجرى هؤلاء مجرى الكتابي الأصلي، ومعنى وطعامكم حل لهم أي يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم. والظاهر أن المجوسي والصابىء لا يحل لنا أكل ذبيحتهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.
{ والمحصنات من المؤمنات } أي وأحل لكم نكاح المحصنات أي العفائف اللاتي لسن بزوان. { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي العفائف منهن. وظاهر هذه الآية جواز نكاح الكتابيات ذمية كانت أو حربية، وقد تزوج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت الفرافصة وكانت نصرانية. وتزوج طلحة يهودية من الشام. ومن العلماء من منع نكاح الكتابيات واستدل بقوله تعالى:
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
[البقرة: 221]، قال وأي شرك أعظم ممن يقول المسيح بن الله وعزيز بن الله، تعالى الله عما يقولون. وتقدم الكلام على هذه المسألة في البقرة ومذهب الامامية تحريم نكاح الكتابيات والمسلم يجد بينه وبين الكافرة نفرة دينية وقد تقوى فتصير نفرة طبيعية وأن شخصا لا يؤمن بالله تعالى ويكذب الرسل وخصوصا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لجدير أن يهجر ولا يعاشر ولا يتخذ فراشا بل ولو كان مسلما فاسقا أو مبتدعا وجب هجره وترك معاشرته.
{ إذآ آتيتموهن أجورهن } أي مهورهن. وانتزع العلماء من هذا انه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجة إلا بعد أن يبذل لها من المهر ما يستحلها به ومن جوز أن يدخل دون بذل ذلك رأى أنه بحكم الالتزام في حكم المؤتي. { محصنين غير مسافحين } تقدم الكلام على نظيرها في سورة النساء. { ومن يكفر بالإيمان } أي شرائع الإيمان. { فقد حبط عمله } أي إذا وافى على الكفر.
{ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } الآية، نزلت في قصة عائشة حين فقدت العقد بسبب فقد الماء ومشروعية التيمم وذلك في غزوة المريسيع. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما افتتح الأمر بإيفاء العقود وذكر تحليلا وتحريما في المطعم والمنكح فاستقصى ذلك وكان المطعم آكد من المنكح فقدمه عليه وكان النوعان من لذات الدنيا الجسمية ومهماتها للإنسان وهي معاملات دنيوية بين الناس بعضهم من بعض استطرد منها إلى المعاملات الأخروية التي هي بين العبد وربه تعالى.
ومعنى قمتم أردتم القيام إلى الصلاة. وتم محذوف تقديره محدثين لأن من كان على طهارة الوضوء لا يجب عليه أن يتوضأ.
{ فاغسلوا وجوهكم } الوجه من منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن وهو ما واجه الناظر. والظاهر دخول البياض الذي بين الأذن والخد في ذلك وان الأذنين واللحية ليست داخلة في الوجه. والغسل إمرار الماء على العضو. ومذهب مالك ان الدلك داخل في الغسل. { وأيديكم إلى المرافق } اليد في اللغة من أطراف الأصابع إلى المنكب وقد غيا الغسل إليها واختلفوا في دخولها في الغسل فذهب الجمهور إلى وجوب دخولها وذهب زفر وداود إلى أنه لا يجب.
وقال الزمخشري: إلى تفيد معنى الغاية مطلقا، ودخولها في الحكم وخروجها أمر يدور مع الدليل. وقوله: إلى المرافق وإلى الكعبين، لا دليل فيه على أحد الأمرين. " انتهى ". وذكر أصحابنا أنه إذا لم يقترن بما بعد إلى قرينة دخول أو خروج فإن في ذلك خلافا، منهم من ذهب إلى أنه داخل، ومنهم من ذهب إلى أنه غير داخل وهو الصحيح وعليه أكثر المحققين، وذلك أنه إذا اقترنت به قرينة فإن الأكثر في كلامهم أن يكون غير داخل فإذا عرى من القرينة فيجب حمله على الأكثر.
Page inconnue