218

{ لله ما في السموت } الآية ناسب ختم هذه السورة بهذا لأنها اشتملت على تكاليف كثيرة، فذكر تعالى إن له ملك السماوات والأرض فهو يكلف من يشاء بما شاء، ولما كانت التكاليف محل اعتقادها الأنفس قال:

{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فصفة الملك تقتضي القدرة الباهرة والمحاسبة تقتضي العلم المحيط بالأشياء جليلها وحقيرها وكني بالمحاسبة عن الجزاء.

{ فيغفر لمن يشآء } بدأ بأثر الرحمة وهي المغفرة. وقرىء فيغفر برفع الراء على القطع، أي فهو يغفر وبالجزم عطف على يحاسبكم وبالنصب على إضمار أن فينسبك من ذلك مصدر مرفوع معطوف على مصدر متوهم أي تكن محاسبة فغفران. وقرىء بغير فاء مجزوما وخرج على البدل من يحاسبكم. وفيه نظر. وقال الزمخشري: ومعنى هذا البدل التفضيل لجملة الحساب لأن التفصيل أوضح من المفصل فهو جار مجري بدل البعض من الكل أو بدل الاشتمال كقولك: ضربت زيدا رأسه، وأحب زيدا عقله. وهذا البدل واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان. " انتهى ".

وفيه بعض مناقشة اما أولا فلقوله ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب ليس الغفران والعذاب تفصيلا لجملة الحساب، إنما هو تعداد حسناته وسيئاته وحصرها بحيث لا يشذ شيء منها. والغفران والعذاب مترتبان على المحاسبة فليست المحاسبة تفصل إلى الغفران والعذاب، وأما ثانيا فلقوله بعد أن ذكر بدل البعض والكل وبدل الإشتمال وهذا البدل واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان. أما بدل الإشتمال فهو يمكن وقد جاء لان الفعل بما هو يدل على الجنس يكون تحته أنواع يشتمل عليها ولذلك إذا وقع عليه النفي انتفت جميع أنواع ذلك الجنس وأما بدل البعض من الكل فلا يمكن في الفعل إذ الفعل لا يقبل التجزي، فلا يقال في الفعل له كل وبعض، إلا بمجاز بعيد فليس كالإسم في ذلك، ولذلك يستحيل وجود بدل البعض من الكل بالنسبة لله تعالى إذ الباري تعالى واحد فلا ينقسم ولا يتبعض.

قال الزمخشري: وقد ذكر قراءة الجزم فإن قلت كيف يقرأ الجازم؟ قلت: يظهر الراء ويدغم الباء، ومدغم الراء في اللام لا من مخطىء خطأ فاحشا ورواية عن أبي عمر ومخطىء مرتين لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو. " انتهى ". وذلك على عادته في الطعن على القراء وأما ما ذكره من أن مدغم الراء في اللام لا من مخطىء خطأ فاحشا إلى آخره، فهذه مسألة اختلف فيها النحويون فذهب الخليل وسيبويه وأصحابه إلى أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام من أجل التكرير الذي فيها ولا في النون. قال أبو سعيد: ولا نعلم أحدا خالفه إلا يعقوب الحضرمي وإلا ما روي عن أبي عمر وانه كان يدغم الراء في اللام متحركة متحركا ما قبلها نحو: يغفر لمن يشاء العمر لكيلا واستغفر لهم الرسول، فإن سكن ما قبل الراء أدغمها في اللام في موضع الضم والكسر نحو الأنهار لهم والنار ليجزي فإن انفتحت وسكن ما قبلها حرف مد ولين أو غيره ولم يدغم نحو من مصر لامرأته والأبرار لفي ولن تبور ليوفيهم والحمير لتركبوها فإن سكنت الراء أدغمها في اللام بلا خلاف عنه إلا ما روي أحمد بن جبير بلا خلاف عنه وعن اليزيدي عنه أنه أظهرها وذلك إذا قرأ بإظهار المثلين والمتقاربين المتحركين لا غير على أن المعمول في مذهبه في الوجهين جميعا على الإدغام نحو: ويغفر لكم. " انتهى ".

وأجاز ذلك الكسائي والفراء وحكياه سماعا ووافقهما على سماعه رواية وأجازه أبو جعفر الرواسي وهو إمام من أئمة اللغة والعربية من الكوفيين وقد وافقتهم أبو عمر وعلى الإدغام رواية وإجازة كما ذكرناه وذلك من رواية الوليد بن حسان وللإدغام وجه من القياس ذكرناه في كتاب " التكميل لشرح التسهيل " من تأليفنا وقد اعتمد بعض أصحابنا على أن ما روي عن القراء من الادغام الذي منعه البصريون بكون ذلك إخفاء لا إدغاما وهذا لا يجوز أن يعتقد في القراء أنهم غلطوا. وما فرقوا بين الإخفاء والإدغام وعقد هذا الرجل بابا قال فيه: هذا باب يذكر فيه ما أدغمته القراء مما ذكر أنه لا يجوز إدغامه وهذا لا ينبغي فإن لسان العرب.

ليس محصورا فيما نقله البصريون فقط والقراآت لا تجيء على ما علمه البصريون ونقلوه دون غيرهم بل القراء من الكوفيين يكادون يكونون مثل قراء البصرة، وقد اتفق على نقل إدغام الراء من اللام كبير البصريين ورأسهم أبو عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي وكبراء أهل الكوفة الرواسي والكسائي والفراء وأجازوه ورووه عن العرب فوجب قبوله والرجوع فيه الى علمهم ونقلهم؛ إذ من علم حجة على من لم يعلم. (وأما) قول الزمخشري: ان راوي ذلك عن أبي عمرو مخطىء مرتين فقد تبين أن ذلك صواب والذي روى ذلك عنه الرواة ومنهم أبو محمد اليزيدي وهو إمام النحو إمام في القرآت إمام في اللغة.

[2.285-286]

ولما كان ابتداء هذه السورة بذكر الكتاب المنزل وانه هدى للمتقين كانت مختتمة بذكر الكتاب ومن آمن به فقال تعالى:

{ ءامن الرسول } الآية ليتوافق الابتداء والاختتام والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد، والذي أنزل إليه من ربه هو القرآن، والمؤمنون هم أمته وهم المذكورون في أول السورة الموصوفون بالتقوى والإيمان بالغيب وقدم الرسول لأن إيمانه صلى الله عليه وسلم هو المتقدم وهو المتبوع صلى الله عليه وسلم.

Page inconnue