قوله تعالى: { فإن لم يصبها وابل فطل }؛ أي فطل، والطل أضعف المطر مثل الرذاذ وهو المطر الدائم الصغار القطر لا يكاد يسيل منه الميازيب، كذلك المنفق لوجه الله إن كانت نفقته كثيرة فثوابها كثير؛ وإن كانت قليلة شيئا بعد شيء فبعددها.
وقال السدي: (الطل هو الندى). وروي عن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { فإن لم يصبها وابل فطل } قال: (هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت أي أنبتت، وإن أصابها مطر أضعفت أي آتت ضعف ذلك). وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن المخلص، يقول: كما أن هذه الجنة تصلح في كل حال ولا تخلف ولا تخيب صاحبها، سواء أقل المطر أم كثر، كذلك يضاعف الله ثواب صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمن ولا يؤذي؛ سواء أقلت صدقته أو كثرت ولا يخيب بحاله، { والله بما تعملون بصير }؛ أي بصير بما يعملونه من الرياء والإخلاص؛ يجزيكم على قدر نياتكم.
[2.266]
قوله عز وجل: { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفآء }؛ الآية؛ هذا استفهام في الظاهر يقتضي في الحقيقة تقديرا: أي لا يود أحدكم كقوله تعالى:
أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا
[الحجرات: 12]. ومعنى الآية: يتمنى أحدكم أن يكون له بستان من نخيل وكرم؛ تجري من تحت شجرها ومساكنها وغرفها الأنهار ، له في الجنة من ألوان الثمار كلها، وأصابه الهرم والضعف وله أولاد ضعاف عجزة عن الحيلة، { فأصابهآ إعصار } ، يعني تلك الجنة. والإعصار: ريح عاصف تهب به من الأرض بالشدة كالعمود إلى نحو السماء، وتسميها العرب الزوبعة، وسميت إعصارا لأنها تعلو كثوب عصر.
قوله تعالى: { فيه نار فاحترقت }؛ أي الجنة. وهذا مثل ضربه الله لنفقة المنافق والمرائي، تقول عمل هذا المرائي في حسنه كحسن الجنة ينتفع بها كما ينتفع صاحب الجنة، فإذا كبر وضعف فصار له أولاد صغار ضعاف، أصاب جنته إعصار فيه نار، فاحترقت عندما هو أحوج إليها وضعف عن إصلاحها لكبره وضعف أولاده عن أصلاحها لصغرهم؛ وعجزه وعجزهم من أن يغرسوا مثلها، لا يرد عليه شبابه وقوته ليغرس، فيحزن ويغتم ويهلك أسفا وتحسرا على ذلك، فلا هو يجد شيئا يعيشه ولا مع أولاده شيء يعودون به عليه، فبقي هو وأولاده فقراء عجزة متحيرين لا يقدرون على حيلة، فكذلك يبطل الله صدقة هذا المرائي والمنافق والمان بصدقته؛ حيث لا يسمع مستغيث لهما ولا توبة ولا إقالة، يحرم أجرها عند أفقر ما يكون إليها، ويرى في القيامة أعماله هباء منثورا، ولا يؤذن له في الرجوع إلى الدنيا ليتصدق وليكون من الصالحين.
قوله تعالى: { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } أي كهذا البيان الذي بين الله لكم فيما تقدم؛ ويبين لكم الدلالات والعلامات لكي تتفكروا فتعتبروا.
فإن قيل: قوله تعالى: { أيود أحدكم } فعل مستقبل، وقوله: { وأصابه الكبر } فعل ماض، فكيف عطف الماضي على المستقبل؟ والجواب من وجهين:
أحدهما: أن (قد) ها هنا مقدرة؛ المعنى وقد أصابه الكبر، فيكون للحال كما قال في آية أخرى:
Page inconnue