قال جالينوس: أما في القول الذي قبل هذا فإن أبقراط أحمل فيه ذكر كل امتلاء مفرط وكل استفراغ مفرط. وأما في هذا القول فإنه قصد إلى ذكر تدبير * تغذية (304) المرضى وأمرنا * أن (305) نحذر دائما في الأمراض المزمنة التدبير اللطيف ونحذره في الحادة أحيانا. وذلك أن أكثر الأمراض الحادة يحتاج إلى الغذاء اللطيف وبعضها يحتاج إلى التدبير الذي قد بلغ الغاية * القصوى (306) من اللطافة، وهو ترك تناول الطعام البتة والاقتصار على تناول ماء العسل وحده إلى أن يأتي البحران. * فأما (307) التدبير اللطيف الذي لم يبلغ * فيه (308) الغاية * القصوى (309) فهو تناول اليسير من الطعام أو * تناول (310) ما يغذو منه غذاء يسيرا مثل ماء كشك الشعيرة. وحد التدبير اللطيف هو نقصان القوة التي إنما تغذو بسببها. * فينبغي (311) أن يقصد في أمر القوة بتدبير الغذاء في الأصحاء لأحد أمرين إما * لتحفظ (312) قواهم فيهم على الحال التي يجدها عليها وإما لتزيد فيها. والغذاء الذي يزيد فيها فهو غليظ، والغذاء الذي يحفظها فهو معتدل، والغذاء الذي ينقص منها فهو لطيف. وقد ينبغي لنا أن نحذر دائما هذا الغذاء اللطيف فيهم. ويكون استعمالنا أحد الوجهين الآخرين على حسب ما تدعو إليه حالهم. وأما في المرضى فليس يكاد نعني الزيادة PageVW1P101A في * قواهم (313) لكنا نعني * في (314) الأكثر إما * بأن (315) يحفظها على الحال * التي (316) وجدناها * عليها (317) وذلك في الأمراض المزمنة وإما * بأن (318) لا يكون نقصانها نقصانا قادحا وذلك في الأمراض الحادة، لأنا إن قصدنا دائما لحفظها على الحال التي وجدناها عليها في الأمراض الحادة أو * الزيادة (319) فيها زدنا في المرض. وقد تبين وشرح لنا أبقراط في كتابه في تدبير الأمراض الحادة الذي رسمه قوم بكتاب ماء الشعير أي الأمراض الحادة تحتاج إلى التدبير الذي هو في الغاية من اللطافة وليس في * الغاية (320) القصوى * وأيها (321) تحتاج إلى التدبير الذي ليس هو في الغاية. وسأبين لك أيضا هذا كله وأشرحه في تفسيري لذلك الكتاب. * فأما (322) الآن فنكتفي أن نقتصر على هذا المقدار من القول وهو أنه إذا كانت القوة قوية وكان منتهى المرض * وبحرانه (323) * مزمع (324) أن يكون في اليوم الرابع أو قبله فينبغي أن يلزم المريض بترك تناول الطعام البتة، وهذا هو التدبير * الذي (325) هو في الغاية PageVW6P006A القصوى من اللطافة. وإذا كانت القوة أيضا قوية * وكان (326) منتهى المرض وبحرانه لا يتجاوز اليوم السابع فينبغي أن يقتصر بالمريض على تناول ماء العسل وحده. وهذا هو التدبير * الذي (327) في الغاية من اللطافة، إلا أنه ليس في أقصاها. فإن لم يثق بالقوة استعملنا مع ماء كشك الشعير، وهذا هو التدبير اللطيف الذي * ليس (328) في الغاية. وأما تناول ماء كشك الشعير بثفله فليس هو تدبير لطيف إلا أن يتناول منه * الشيء (329) اليسير، وليس هو أيضا بتدبير * غليظ (330) ، كمثل التدبير بكشك الحنطة والبيض والسمك وسائر ما أشبه ذلك. فقوله «إذا لم تحتمله» في ذكره الأمراض الحادة ليس إنما قاله لمكان * أن (331) الأمراض الحادة جدا، * لأنه (332) يقول فيما بعد «إذا كان المرض حادا جدا فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بديا فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير في الغاية القصوى من اللطافة».
5
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم، وذلك أن جميع ما يكون منه من الخطأ أعظم * ضررا (333) مما يكون منه في الغذاء الذي له PageVW1P101B غلظ يسير ومن قبل * هذا (334) صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء * أيضا (335) * خطرا (336) لأن احتمالهم لما يعرض من خطائهم أقل * ولذلك (337) صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر * الحالات (338) أعظم خطرا من التدبير الذي هو * أغلظ (339) * قليلا (340) .
[commentary]
Page 371