قال جالينوس: أما القول الذي * قد (243) قيل قبل هذا فقد بينا أن أبقراط إنما قاله في كيفية ما يستفرغ. PageVW6P004B * وأما (244) في هذا القول وأقاويل أخر تتلوه فقصد فيها إلى ذكر كمية ما يستفرغ وابتدأ * بذكر (245) الامتلاء المفرط والاستفراغ المفرط ووضع في قوله هذا، كما وضع في القول الذي قبله مثالا * وأجرى (246) قوله نحوه كعادته. والمثال الذي وضعه هو خصب أبدان أصحاب الرياضة. * وأعني (247) بأصحاب * الرياضة (248) * الذين (249) جعلوها مهنة وأفنوا دهرهم في الاقتصار عليها * والتغالب (250) * فيها (251) كمثل المصارعين وغيرهم. وذلك أن خصب البدن الذي يقال قولا مطلقا يوجد في كثير من أصحاب الكد في * حرث (252) الأرض وإثارتها وحصد ثمره ما ينبت * فيها (253) وعمل سائر ما يعمل لمصالح العيش مما في عمله تعب لا يبلغ الغاية القصوى من امتلاء البدن. وأما خصب أبدان أصحاب الرياضة فيذم منه مذمة ليست باليسيرة، وذلك أنهم يقصدون إلى أن تكون أبدانهم * كبيرة (254) وتعظم أن PageVW1P099A تكثر الكيموسات فيها لا * محالة (255) ، إذ كانت الكيموسات * فيها (256) عدة لتغذية البدن كله وكان لا يمكن أن * ينتفع (257) * البدن (258) ويعظم * أكثر (259) مما ينبغي دون أن يكثر فيه، فيجب من قبل ذلك ضرورة أن تكون حالهم هذه حال خطر. وذلك أن العروق إذا امتلأت أكثر مما * ينبغي (260) لم يؤمن أن تنصدع أو نتخنق الحرارة الغريزية وتطفى، وقد عرض من هذا الوجه لقوم كثير من أصحاب الصراع عندما صارت أبدانهم إلى غاية الامتلاء أن ماتوا فجأة. وأما خصب البدن الذي يصلح لمن يقصد من الأعمال إلى ما يجري * في (261) المجرى الطبيعي فمأمون عليه أن * لا (262) يلحقه شيء من أشباه هذه الأشياء التي فيها خطر من قبل أنه لا يبلغ الغاية القصوى من الامتلاء، * ولذلك (263) لا ينبغي أن ينقص كمثل ما ينبغي أن يفعل بحصب أبدان أصحاب الصراع إذا * بلغوا (264) * إلى (265) الغاية القصوى. * فإن (266) ذلك الخصب ينبغي أن يبادر إلى نقضه ويسابق ما يتخوف أن * يحدث (267) * على (268) صاحبه. وقد وصف أبقراط العلة التي لها ينبغي أن ينقض هذا الخصب عند ما قال «وذلك أنه لا يمكن أن * يلبثوا (269) على حالهم تلك ولا يستقروا». وذلك أنه لما كانت الطبيعة التي في البدن تنضج الغذاء دائما وتنفذه إلى مواضعه وتقلبه في * الكبد (270) * ويصير (271) * دما (272) ثم توزعه في الأعضاء ويصله * بها (273) ويشبهه * بها (274) ، وجب من قبل هذا ضرورة أن يكون البدن إذا صار إلى حال لا يمكن معها أن يقبل أعضاؤه الأصلية شيئا من الزيادة ولم يبق في العروق موضع لقبول ما ينفذ إليها من الغذاء، إما أن ينصدع بعض تلك العروق وإما أن يهجم الموت عليهم PageVW1P099B فجأة. فقد ينبغي * لذلك (275) أن يبادر إلى تغيير هذا الخصب ونقضه كيما يعود البدن فيكون فيه متسع لقبول الغذاء ونقضه. فهذا هو * استفراغ (276) البدن وينبغي أن لا يفرط فيه، لأن حال الاستفراغ المفرط في الخطر ليس بدون حال الامتلاء المفرط. وليس ينبغي أن يكون الغرض PageVW6P005A في تقدير ما يستفرغ مقدار كثرة الشيء الغالب فقط، دون طبيعة البدن، أعني بالطبيعة قوة بدن الانسان الذي يستفرغ. فإن الأبدان تتفاضل في احتمال * الاستفراغ (277) . وما قال في هذا الكلام إلى هذا * الموضع (278) جعله في أمر خصب أبدان أصحاب الرياضة وهو على * وجهها (279) نافع لمن أراد علاج تلك المهنة وجعله للطبيب مثالا بنى عليه القول الذي يأتي بعد . وذلك أنه قال «وكذلك أيضا كل استفراغ تبلغ فيه الغاية القصوى * فهو (280) خطر وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوى فهي خطر»، فدل بهذا أنه يريد بجميع هذا القول أن يبين لنا أنه لا ينبغي أن يفرط في استعمال * ما (281) يستفرغ البدن ولا في استعمال ما يملأه. وإن من أبلغ الأشياء في * الدلالة (282) على هذا * خصب (283) أبدان أصحاب الرياضة إذ كان في جميع حالاته إلا * اليسير (284) غير مذموم، لأن الكيموسات في أبدان أصحاب الرياضة معتدلة المزاج والقوى قوية وقد يذم منه على حال بلوغه إلى غاية الامتلاء. ولذلك ينبغي أن يبادر إلى نقضه، وكما لا ينبغي أيضا أن * يبلغ (285) في استفراغ من كانت هذه حاله الغاية القصوى كذلك لا ينبغي في استفراغ من احتاج إلى استفراغ ما أي استفراغ كان. وبالجملة فينبغي PageVW1P100A أن * ينحوا (286) في كل استفراغ * نحو (287) القوة ويخرج الفضل من البدن ما دامت القوة تحتمل ولم تخور، * وإن (288) ضعفت فينبغي أن يمسك الاستفراغ وإن كانت قد بقيت من الفضل بقية. وأما قوله «وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوة فهي خطر» فإن أراد مريد أن يسوق * الكلام (289) نحوما وضع * من (290) المثال عليه لئلا يكون مبتورا، فإنما يجوز عنده أن يكون قبل في البدن الذي تبلغ * فيه (291) الغاية القصوى من الامتلاء حتى يكون كأنه يتقدم بالتحدير من أن يبلغ في تغذية الأبدان إلى الغاية القصوى * من (292) الامتلاء. فإن مال إلى ما ينحو إليه مخرج الكلام كما قال قوم ممن فسر هذا الكتاب فإنه يتوهم كلامه هذا في شيء واحد قد كرره مرتين على وجهين مختلفين. أما في قوله «وكذلك أيضا كل استفراغ تبلغ فيه الغاية القصوة فهو خطر» فيكون قصده إلى أن يتقدم * بالتحدير (293) من الاستفراغ المفرط لهذه العلة فقط، أعني لأن الخطر فيه عظيم. وأما * في (294) قوله «وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوى فهي خطر» فيكون قصده أن ينهي عن الاستفراغ المفرط لأن في تغذية البدن من بعد حدوثه خطر من قبل أن القوة قد خارت وضعفت وليس يمكنها أن تغير الغذاء على ما ينبغي ولا أن تثبته ولا أن تشبهه بالبدن. فإن فهم أحد كلامه على هذا المعنى كان أحد جزئي هذا القول قد سقط، وهو قوله في الامتلاء الذي في الغاية القصوى، ويكون ذكره بحصب أبدان أصحاب الصراع باطلا. وأقول أيضا PageVW6P005B إن زيادته في قوله أيضا يدل على أن هذا المعنى الذي قلت، وذلك PageVW1P100B أنه قال «وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوى فهي خطر» * كأنه (295) إنما قال أيضا، لأن كلامه قبل هذا * كان (296) في شيء غير ما * يزيد (297) في هذا الكلام.
4
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة عسر * مذموم (298) في جميع الأمراض المزمنة لا * محالة (299) ، والتدبير الذي يبلغ * فيه (300) الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله * القوة (301) * فهو (302) عسر * مذموم (303) .
[commentary]
Page 368