212

Tafsīr Ibn Kathīr

تفسير ابن كثير

Enquêteur

سامي بن محمد السلامة

Maison d'édition

دار طيبة للنشر والتوزيع

Édition

الثانية

Année de publication

1420 AH

Genres

Tafsir
فَهَذَا مَدَارُهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، ثُمَّ كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْمَسْلَكِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا أَنْ يُحْسَبَ مَا لِكُلِّ حَرْفٍ مِنَ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَذَلِكَ يَبْلُغُ مِنْهُ جُمْلَةً كَثِيرَةً، وَإِنْ حُسِبَتْ مَعَ التَّكَرُّرِ فَأَتَمُّ وَأَعْظَمُ (١) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)﴾
قَالَ ابْنُ جُرَيج: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "ذَلِكَ الْكِتَابُ": هَذَا الْكِتَابُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى هَذَا، وَالْعَرَبُ تُقَارِضُ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ فَيَسْتَعْمِلُونَ كُلًّا مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهِمْ.
وَ﴿الْكِتَابُ﴾ الْقُرْآنُ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ الْإِشَارَةُ إِلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، فَقَدْ أَبْعَدَ النَّجْعَة وأغْرق (٢) فِي النَّزْعِ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.
وَالرَّيْبُ: الشَّكُّ، قَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الهَمْدانيّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ (٣) مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مَالِكٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
[وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الرَّيْبُ فِي التُّهْمَةِ قَالَ جَمِيلٌ:
بُثَيْنَةُ قَالَتْ يَا جَمِيلُ أَرَبْتَنِي ... فَقُلْتُ كِلَانَا يَا بُثَيْنُ مُرِيبُ ...
وَاسْتُعْمِلَ -أَيْضًا-فِي الْحَاجَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ (٤):
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَعْنَا السُّيُوفَا] (٥)
وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ -وَهُوَ الْقُرْآنُ-لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ نَزَلَ (٦) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّجْدَةِ: ﴿الم * تَنزيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السَّجْدَةِ: ١، ٢] . [وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ، أَيْ: لَا تَرْتَابُوا فِيهِ] (٧) .
وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا رَيْبَ﴾ وَيَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ: ﴿فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أَوْلَى لِلْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ: ﴿هُدًى﴾ صِفَةً لِلْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ كَوْنِ: ﴿فِيهِ هُدًى﴾ .
وَ﴿هُدًى﴾ يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا على النعت، ومنصوبًا على الحال.

(١) في و: "أطم وأعظم"، وفي أ: "أعظم وأعظم".
(٢) في جـ،:"أغرب".
(٣) في جـ، ط: "ناس".
(٤) هو كعب بن مالك، والبيت في اللسان، مادة "ريب".
(٥) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٦) في جـ، ط، ب: "منزل".
(٧) زيادة من جـ، ط.

1 / 162