تفسير العثيمين: الشعراء
تفسير العثيمين: الشعراء
Maison d'édition
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٦ هـ
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
فمَنَعَهُ مِن ظُلْم هَذَا الرَّجُلِ، ولهذا يقول المُفسِّر: [﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ولم تَسْتَعْبِدْنِي، لا نعمةَ لك بذلكَ لِظُلْمِكَ باستعبادهم]، فأنت ما أعطيتني منّةً جديدة ونعمةً جديدةً حَتَّى تمُنّ بها، فهو يُنكر عليه، ولهذا يقول المُفسِّر: [وقدَّرَ بعضُهم أوَّل الكَلام همزةَ استفهامٍ للإنكارِ]، يقول: كيف تمنُّ عليّ بهذا الشَّيْء؛ بأنك عبَّدتَ بني إِسْرَائِيل، هَذَا لَيْسَ بنعمةٍ.
ففِرْعَوْن يراها نعمةً، قَالَ: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ﴾ فهو جعل هَذِهِ مِنَ النِّعم.
قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ كونك عَبَّدْتَهُم، أي: جَعَلْتَهم عبيدًا لكَ، ووجهُ الإستعبادِ أَنَّهُ - وَالْعِيَاذُ بِاللهِ - كَانَ يقتّل الرِّجالَ، فتبقى النِّساء بدون قيِّمٍ، والمرأةُ إذا بَقِيَتْ بدون قيِّم تضطرُّ إِلَى أن تَخْدُمَ، ولهذا قال العلماءُ: إنه كَانَ يستخدِم النِّساء فيُبْقِيهِنَّ بالضرورة، وإذا لم يكن لهنّ قيِّم سوف يَلْجَأْنَ إِلَى الأقباطِ لاستخدامهنَّ.
وسبقَ أن قال مُوسَى: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٢٠]، ثم قَالَ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ٢١]، فكأنه يقول: أنتم لم تألوا جُهْدًا فِي معاقبتي، ولكنَّني فَرَرْتُ منكم فلم تُدْرِكُوني فنجوتُ، فالعُقوبة نجوتُ منها بالفرارِ، والجهلُ تَنَزَّهْتُ منه بالرِّسالَةِ.
فكأنه يقول: تَرْك الظلمِ بالنِّسبةِ إليّ لا يُعَدُّ نعمةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان لَيْسَ مُسْتَحِقًّا له حَتَّى نقول: إنه عَفَا عنه وتركه، فهذا ما صار عليه المُفسِّرُ، لكن هناك احتمالٌ آخرُ، فالإساءة إِلَى قومه إساءةٌ له، فكأنَّه يؤكِّد نفيَ النعمةِ، يعني: أين النعمة وأنت قد
1 / 67