إنَّ سَيرَ الخَليطِ لماّ استقلا ومن التي أولها:
ذي المعَالي فَلْعْلُونْ مَنْ تَعَالى ... هكذا هكَذا وإلاَّ فَلا لاَ
قال الشيخ ﵀:) ذي المعالي (في موضع نصب، والأجود أن تكون منصوبة بفعل مضمر يفسره قوله) فليعلون (، وذهب قوم إلى أنك إذا قلت) فلانا فاضرب (فالعامل في المفعول الفعل الذي بعد افاء، والقول الأول أشبه وقوله) هكذا هكذا (أي ليعل الناس مثل هذا العلو وحسن ترديده) لا لا (رد هكذا.
كُلَّما أعْجَلُوا النَّذِيرَ مَسيرًا ... أعْجَلَتْهمْ جِيادُهُ الإعْجالا
قال ابن جني: يقول كلما عاد إليهم نذيرهم سبقوه بالهرب قبل وصوله إليهم، ثم تلتهم جياد سيف الدولة، فسبقت سبقهم النذير، أي لحقتهم وجازتهم.
قال ابن فورجة: قد علم الشيخ أبو الفتح أنه يقال: أعجلته بمعنى استعجلته، وأما سبقته فيقال فيه عجلته بلا ألف، قال الله تعالى) هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى (ومعاذ الله أن نروم شأو الشيخ أبي الفتح في اللغة والإعراب، ولا أعلم كيف اتفق عليه هذا الزلل، يقول أبو الطيب كلما استعجلوا النذير بالمسير إليهم، وإخبارهم بقدوم جيش سيف الدولة، أعجلتهم خيله أن يعجلوا النذير، أي أطلت عليهم قبل ورود النذير، ولم يغن بثهم الطلائع، وإعدادهم الرمايا، وإنفاذهم الجواسيس، لسرعة هذه الخيل، وسلوكها الطرق الخفية إليهم، ويقود مكائد سيف الدولة فيهم، فأما قوله) لحقتهم وجازتهم (فلا أعلم من أي ألفاظ البيت استنبطه غفر الله له.
ما مَضوا لم يُقاتِلُوك ولِكنَّ القَتالَ الذي كفَاكَ القتالا قال ابن فورجة:) ما (هنا نفي،) ولم يقاتلوك (حال، يريد لم يمضوا غير مقاتلين لك، يريد ما انهزموا من غير قتال، بل ثبتوا وقاتلوا، ولكن لم يقاتلوا فانهزموا وقوله) ولكن القتال الذي كفاك القتالا (، معناه أن ما عرف من صبرك على القتال، وطول ثباتك هو الذي أياس العدو من انهزامك، وزهدهم في مصابرتك ويبين معنى هذا المصراع قوله فيما يليه:
والَّثباتُ الِذي أجَادُوا قَديمًا ... عَلَّمَ الَّثابِتينَ ذَا الإجْفالا
أبَصرَوا الطَّعنَ في القُلوبِ دِراكًا ... قَبل أنْ يُبْصِرُوا الرّماحَ خَيالا
قال ابن جني: لما شاهدوه من أحوال المقتولين عرفوا الأمر قبل وقوعه بهم.
وقال الشيخ: يقول اعتبر المتأخرون منهم بالمتقدمين، فكأنهم أبصروا الطعن دِراكا بقلوبهم وبينهم وبين من يطلبهم مسافة بعيدة ففروا قبل أن ينظروا إلى خيال الرماح.
وقال ابن فورجة: أخر قوله) خيالًا (عن موضعه لعلم المخاطب وتقدير البيت: أبصروا الطعن في القلوب دراكا خيالًا قبل أن يبصروا الرماح يريد بالخيال ما يراه الانسان في منامه، أو يتخايل له في خاطره من ذكر ما مضى يقول: لشدة خوفهم منك، وتصورهم ما صنعت بهم في قديم الحروب، رأوا الطعن دراكا في قلوبهم رؤية الخيال، قبل أن يروه حقيقة، وما تقدم هذا البيت يدل على هذا وهو قوله:
تركُوا في مَصَارعٍ عَرَفُوها ... يَنْدُبُونَ الأعْمامَ والأخْوَالا
تَحْملِ الرّيحُ بينهم شَعَرَ الهْامِ ... وَتُذْرِي عليهم الأوْصالا
تُنْذِرُ الجِسْمَ أنْ يُقيمَ لَدَيها ... وَتُريِهِ لِكُلِ عُضْوٍ مِضالا
فهذا يدل على ما قلناه.
أقْسَموا لا رأَوْكَ إلاَّ بقَلْبٍ ... طاَلَما غَرتِ العُيُونُ الرّجالا
أيُّ عَيْنٍ تأمَّلْتكَ فَلاقَتْكَ ... وَطرْفٍ رَنا إلَيْكَ فَاّلا
قال الشيخ ﵀: أي حلفوا أنهم لا رأوك إلا بقلوبهم، وقد علموا الآن الغلبة لك فهم لا يثبتون فينظرون إليك بعيونهم، لأن العين طالما غرت الناظر فيتوهم ما لاح له شيئًا غيره.
وقال ابن جني: قد تكرر هذا المعنى في شعره كقوله:
كأنَّ شُعاعَ عينِ الشَّمْس فيه ... فَفي أبصَارِنا عَنْهُ انكسارُ
1 / 67