Tafsir de Sadr Din Shirazi
تفسير صدر المتألهين
Genres
ومنها: أنك إذا قلت: نعبدك، بتقديم ذكر العبادة منك، فقبل أن تذكر أنها لمن هي، فيحتمل أن الشيطان يقول: إنها للاصنام، أو للأجسام كالشمس والقمر: أما إذا غيرت هذا الترتيب وقلت أولا: إياك، ثم قلت ثانيا: نعبد. فلم يبق مجال لهذا الاحتمال، وكان أبلغ في التوحيد، وأبعد عن احتمال الإشراك.
ومنها: أن المعبود متقدم في الوجود والشرف على الممكن، وكان ينبغي أن يكون ذكره متقدما على ذكر غيره.
فائدة اخرى
[سر الالتفات من الغيبة الى الخطاب]
اعلم أن الدنيا لما كانت دار التعب والكلال، والسآمة والملال، فمن عادة فصحاء العرب التفنن في الكلام، والعدول من طرز إلى طرز، تنشيطا للسامع، وتنبيها لذهنه عند العدول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب الى التكلم، وبالعكس. وهذا أحسن من الجري على نسق واحد، واللزوم لمسلك متكرر ومع ذلك، قد تختص مواقع الالتفات بزوائد فوائد من النكات، لا تحصل بدونه. وها هنا من هذا القبيل، إذ قد تقرر في العلوم الإلهية، ان شدة الإدراك، وتأكد الصورة العلمية في الوضوح والانارة ، وقوة الشوق الى المدرك ورسوخه، يوجبان حضور المعلوم، ولهذا قيل: المعرفة بذر المشاهدة والرؤية ثمرة اليقين.
فلما ذكر الله تعالى، وأجريت عليه صفات كمالية ونعوت إلهية من كونه حقيقا بالحمد، رب العالمين، موجدا للكل، منعما عليهم بالنعم كلها، جليلها ودقيقها، دنيويها وأخرويها، محسوسها ومعقولها، مالكا لامورهم يوم الجزاء واللقاء، تميزت بها ذاته عن سائر الذوات، وتنور القلب بأنوار معرفة هذه الصفات، وفتحت البصيرة بكشف هذه الآيات، وتعلق العلم بمعلوم معين حاضر حضورا إشراقيا، فخوطب بالكلام: يا من هو بالحمد حقيق، وبهذه الصفات الكمالية يليق، نخصك بالعبادة والاستعانة. ليكون الخطاب أدل على هذا الاختصاص، ولاستجلاب مزيد قرب بعد قرب في هذا التذلل والانكسار، وطلب معونة من قربه على قربه، لأن ذاته غير متناه في شدة الوجود وقوة البهاء والعظمة، لا يمكن الاكتناه بنور وجوده، فكلما كوشف للسالك، كان المستور منه بستر الجلال وسرادق الكبرياء أعظم بما لا نسبة بينهما، إذ المنال والمشهود هناك بقدر قوة نظر الطالب ونور بصيرته، لا بحسب المطلوب نفسه، وكلما ازداد في القرب ازداد في الاشتياق، ويكون أحوج إلى طلب المعونة لزيادة المشاهدة وكسب الإشراق، فكان أول الكلام مبنيا على ما هو بداية أمر السالك من الأذكار والأفكار، والتأمل في الأسماء والنظر في الآلاء والنعماء، طلبا للاستبصار، وتقربا الى مشاهدة نور الأنوار، واستدلالا من صنائعه على أسمائه وصفاته، ومن أسمائه وصفاته على انوار جماله وأسرار جلاله ثم صار مؤديا إلى منتهى سيره وغاية سفره إلى الحق، وهو كونه ممن يخوض لجة الوصول، ويصير من أهل المشاهدة، فيراه عيانا، ويشاهده كفاحا، ويشافهه شفاها، كما أشار إليه صاحب الإشارات، المرتقي بصفاء ضميره عن درجة أهل العبادات، الواصل الى مقامات العارفين ودرجات المكاشفين، كما يفصح عنه قوله: " وهناك " أي عند الخوض في لجة الوصول والسفر في بحر الحقيقة بعد العبور على منازل العقول " درجات ليست أقل مما قبلها " بحسب كثرة العجائب، وفنون الغرائب، وتمادي الأسفار، وتباعد المراحل، وتفاوت المنازل، لأن كل حقيقة من الحقائق الكونية، وكل صورة من الصور الكمالية الوجودية، التي هي ثابتة للموجود بما هو موجود في شيء من العوالم، فهي هناك بالفعل على وجه أعلى وأشرف وأتم، من غير لزوم تكثر، وتطرق تغير في الحضرة الأحدية، فالذات الأحدية أرض كل الحقائق، وسماء أنوار الهويات، يقع فيه سير المسافرين، ويدور عليه أنوار السائرين، من الله مشرقها، وإلى الله مغربها، إذ ما شأنه أن يعاين بحق اليقين وعينه، فكيف يمكن أن يدرك بعلم اليقين أو دونه؟
إلا ان البيان قاصر عن وصفه، واللسان يكل عن نعته، ولهذا قال صاحب المقامات - اعتذارا عن بيان أحوال هذا المشهد-: " آثرنا الاختصار فإنها لا يفهمها الحديث ولا تشرحها العبارة ولا يكشف عنها المقال غير الخيال، من أحب أن يتعرفها فليتدرج إلى أن يصير من أهل المشاهدة دون المشافهة، ومن الواصلين إلى العين دون السامعين للاثر " انتهى كلامه.
ونحن أيضا قد آثرنا الاختصار في مقام خرست فيه السن الفصحاء، واتبعنا قول سيدنا ونبينا (عليه وآله الصلاة والدعاء): إذا بلغ الكلام إلى الله فامسكوا.
بصيرة
[سر تقدم اياك نعبد على اياك نستعين]
Page inconnue