Tafsir de Sadr Din Shirazi
تفسير صدر المتألهين
Genres
قوله جل اسمه:
{ إياك نعبد وإياك نستعين }
إيا ضمير منفصل للمنصوب، والروادف التي بعده من الحروف لبيان الخطاب والغيبية والتكلم، وليس لها محل من الإعراب، إذ ليست هي بأسماء مضمرة عند المحققين. وأما قول بعض العرب: " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب " فشاذ، وتقديم المفعول للدلالة على الاختصاص. فقولك للرجل: إياك أعني، معناه لا أعني غيرك: ولا شك في أنه أبلغ من أن يقول: أعنيك، كما في قوله تعالى:
قل أغير الله أبغي ربا
[الأنعام:164].
والمعنى: نخصك بالعبادة ونخصك بالاستعانة. وقرئ إياك بتخفيف الياء، وأياك بفتح الهمزة والتشديد، وهياك بقلب الهمزة هاء وقرئ بكسر النون فيهما، وهي لغة بني تميم فإنهم يكسرون حروف المضارعة غير الياء إذا لم ينضم ما بعدها. والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه، لأنها الخضوع والتذلل، تدل على أعلى مراتب التعظيم ولا يستحقها أحد إلا باعطاء أصول النعم الذي هو خلق الحياة والقدرة والحس والشهوة. و لا يقدر عليه أحد إلا الله، فلذلك اختص سبحانه بأن يعبد، ولا تجوز العبادة لغيره، بخلاف الطاعة، فإنها قد تحسن لغيره، كطاعة الأب والمولى والسلطان والزوج، فمن قال: إن العبادة هي الطاعة، فقد أخطأ، لأنها غاية التذلل دون الطاعة، فإنها مجرد موافقة الأمر، ألا ترى أن العبد يطيع مولاه ولا يكون عابدا له؟ والكفار يعبدون الأصنام ولا يكونون مطيعين لهم؟ إذ لا يتصور من جهتهم الأمر.
فائدة
إن في تقديم إياك على نعبد وجوها:
منها: أن في هذا التقديم تنبيها منه للعابد على أن المنظور إليه في العبادة هو المعبود نفسه، لا شيء آخر، من طلب ثواب أو دفع عقاب.
ومنها: أنه قدم نفسه لتنبيه العابد من أول الأمر على أن المعبود هو الله الحق، فلا يلتفت يمينا وشمالا، ولا يتكاسل في الطاعات، ولا يثقل عليه تحمل العبادات من الركوع والسجود، فإنه إذا ذكر قوله: إياك، يحضر في قلبه معرفة الرب تعالى، فبعده سهلت عليه تلك الطاعات، وهانت عليه مشقة العبادات، ومثاله: من أراد حمل جسم ثقيل، يتناول قبل ذلك ما يزيده قوة وشدة. فالعبد لما أراد حمل التكاليف الشاقة، يتناول أولا معجون معرفة الربوبية من قوله اياك حتى يقوى على حمل ثقل العبودية.
Page inconnue