[6.12-18]
قوله تعالى: { قل لمن ما في السموات والأرض } قال جار الله: هذا سؤال تبكيت و { قل لله } تقريرا لهم أي هو الله لا خلاف بيني وبينكم ولا يقدرون أن يضيفوا منه شيئا إلى غيره { كتب على نفسه الرحمة } أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ونصب الأدلة على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر بقوله: { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } فيجازيكم على شرككم { الذين خسروا أنفسهم } قال جار الله: نصب على الذم أو أنتم الذين خسروا أنفسهم في علم الله لاختيارهم الكفر، قوله: { وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم } سكن أي استقر من خلق الله قال أبو روق: من الخلق ما يستقر ليلا وينشر نهارا، ومنه ما يستقر نهارا وينشر ليلا، قيل: كلما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكني الليل والنهار، والمراد جميع ما في الأرض، وقيل: معناه وله ما يمر عليه الليل والنهار، وقيل: له ما سكن وتحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر، وهو السميع لأصواتهم، العليم بأسرارهم، { قل أغير الله اتخذ وليا } الآية قيل: إن مشركي قريش قالوا لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): تركت ملة سادة قومك إن كانت لك حاجة إلى النساء لنزوجك، وإن كان بك جنون لنداويك، وإن كان بك فقر لنجمع لك مالا حتى تكون من أغنيائنا، فإنما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة، فنزلت الآية { قل } يا محمد { أغير الله أتخذ وليا } ومعبودا وناصرا ومعينا { فاطر السموات والأرض } أي فالقهما ومبتدعهما وأصل الفطر الابتداع، قال مجاهد: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى اتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها { وهو يطعم ولا يطعم } أي وهو يرزق ولا يرزق. ومنه { وما أريد أن يطعمون } والمعنى أن المنافع كلها منه { قل } يا محمد { إني أمرت أن أكون أول من أسلم } لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سابق أمته في الإسلام كقوله تعالى:
وأنا أول المسلمين
[الأنعام: 163] { ولا تكونن من المشركين } يعني نهيت عن الشرك وأمرت بالإسلام { قل } يا محمد { إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } وهو يوم القيامة { من يصرف عنه } ذلك العذاب { يومئذ } يعني يوم القيامة { فقد رحمه } الرحمة العظمى وهي النجاة، قال جار الله: وقرئ { من يصرف عنه } ، على البناء للفاعل، والمعنى من يصرف الله عنه في ذلك اليوم فقد رحمه بمعنى من يدفع الله عنه { وإن يمسسك الله بضر } من مرض أو فقر أو غير ذلك فلا قادر على كشفه { إلا هو وإن يمسسك بخير } من غنى أو صحة { فهو على كل شيء قدير } { وهو القاهر فوق عباده } بالقهر والغلبة والقدرة والعلو.
[6.19-24]
{ قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم } ، قيل: قالت مشركو قريش لقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فأرنا من يشهد لك فنزل قوله تعالى: { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به } وأنذر كل من بلغه من العرب والعجم، وقيل: من الثقلين، وقيل: من بلغه إلى يوم القيامة، وعن سعيد بين جبير: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { أئنكم لتشهدون } تقرير لهم مع استنكار واستبعاد { قل لا أشهد } بشهادتكم، قوله تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } هؤلاء هم اليهود يعرفون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يعرفون أبناءهم وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب، وبصحة نبوته، ثم قال: { الذين خسروا أنفسهم } من المشركين ومن أهل الكتاب والجاحدين { فهم لا يؤمنون } به، قال جار الله: جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله تعالى، وكذبوا رسوله حيث قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا وقالوا: والله أمرنا بها، وقالوا: الملائكة بنات الله، وقالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } أي كفر، قال الحسن: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا فأشرك به غيره { أو كذب بآياته } وهي القرآن { إنه لا يفلح الظالمون } { ويوم نحشرهم جميعا } العابدين والمعبودين { ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم } أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله { الذين كنتم تزعمون } أنها تنفعكم وإنما قال لهم ذلك على جهة التوبيخ { ثم لم تكن فتنتهم } كفرهم { إلا أن قالوا } والمعنى { ثم لم تكن } عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه وافتخروا به، وقيل: لم يكن جوابهم إلا أن قالوا تسمى فتنة لأنه كذب، وقيل: الآية نزلت في المنافقين مروا على عادتهم في الدنيا، وقيل: هو عام في المنافقين والكفار وهو الصحيح، وقيل: { فتنتهم } خلاصهم يعني المحنة التي يتوهمون أنهم يتخلصون بها، وقيل: معذرتهم { إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } يعني لم يكن اعتذارهم إلا هذا، وقيل: قالوا ذلك لعظيم ما يرون من الأهوال { انظر } يا محمد { كيف كذبوا على أنفسهم } في الدنيا بقولهم انا مصيبون في قولنا، انا غير مشركين، واختلفوا هل يجوز في الآخرة أن يكذبوا فالأكثر قالوا لا يجوز لأنها ليست دار تكليف، وقيل: يجوز ذلك لما يلحقهم من الدهش، قال جار الله: فإن قلت: كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ قلت: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا، ألا تراهم يقولون ربنا أخرجنا فإن عدنا فانا ظالمون وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه وقالوا: يا مالك ليقض علينا ربك وقد علموا أنه لا يقضي عليهم، وأما قول من يقول معناه ما كنا مشركين عند أنفسنا، وما علمنا انا على خطأ في معتقدنا، وحمل قوله: { أنظر كيف كذبوا على أنفسهم } يعني في الدنيا متحمل وتعسف وتحريف، وقد قال تعالى:
يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون
[المجادلة: 18] بعد قوله:
ويحلفون على الكذب وهم يعلمون
[المجادلة: 14] فشبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا.
Page inconnue