{ أو } مثلهم في هذا الاستبدال والاتجار { كصيب } نازل { من السمآء فيه ظلمت } متوالية متتالية، بعضها فوق بعض شدة وضعفا بحسب تخلخل السحب وتكاثفها { ورعد وبرق } بسبب الأدخنة والأبخرة المحتسبة فيه، متى أبصرها الناس وسمعوا أصوات بروقه ورعوده { يجعلون أصبعهم } أنامل أصابعهم { في آذانهم } خوفا { من الصوعق } النازلة منها، المهلكة غالبا لمن أصيب بها، وإنما يفعلون ذلك { حذر الموت } أي: حذر أن يموتوا في إصابتها؛ يعني: إنهم لما شبهوا في نفوسهم دين الإسلام بالصيب المذكور في ظهوره من غير ترقب، واشتمال في زعمهم على ظلمات التكاليف المتفاوتة المتنوعة، ورعود الوعيدات الهائلة وبروق الأحكام الخاطفة، وجب عليهم الاحتراز عن غوائله فمالوا عنه وأعرضوا، وجعلوا أصابع عقولهم في آذان قبولهم؛ خوفا من الصواعق النازلة المصفية المفنية ذواتهم في ذات الله حذر الموت الإداري، وهم بسبب هذا الميل والإعراض يعتقدون أنهم خلصوا عن الفناء في ذاته { و } لم يعلموا أنهم مستهلكون فيها إذ { الله } المتجلي في ذاته لذاته { محيط بالكفرين } [البقرة: 19] الساترين بذواتهم في زعمهم الفاسد ذات الله، غافلين عن تجلياته، وكيف يغفلون عنها؟.
[2.20-22]
{ يكاد البرق } أي: برق التجلي اللطفي { يخطف } يعمي { أبصرهم } التي يرون بها أنفسهم ذوات موجودات فاضلات به { كلما أضآء } وأشرق { لهم } التجلي اللطفي { مشوا } ساروا { فيه } باقين ببقائه { وإذآ أظلم عليهم } بالتجلي القهري { قاموا } سكنوا على ما هم عليه من عدم الصرف { ولو شآء الله } التجلي عليهم بالقهر دائما { لذهب بسمعهم وأبصرهم } أي: بتعيناتهم التي ظنوا أنهم موجودات حقيقية بسببها، وصيرهم فانين معدومين لا وجود لهم أصلا، كما هم عليه دائما، قل لهم يا أكمل الرسل بلسان الجمع: { إن الله } المتجلي بالتجلي اللطفي { على } إبقاء { كل شيء قدير } [البقرة: 20] على إفنائه بالتجلي القهري؛ إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء، ثم نبه تعالى على كيفية رجوعهم إليه وتنبههم على تجلياته، فناداهم إشفاقا لهم وامتنانا عليهم ليقبلوا إليه فقال:
{ يأيها الناس } الذين نسوا حقوق الله بمتابعة آبائكم { اعبدوا } تذللوا وتفزعوا وانقادوا { ربكم الذي خلقكم } أخرجكم وأظهركم من كتم العدم بإشراق تجلياته اللطيفة إلى فضاء الوجود { و } أيضا أخرج آباءكم { الذين } مضوا { من قبلكم } إن عبدتم كما ذكر { لعلكم تتقون } [البقرة: 21] تحذرون من تجلياته القهرية، فهو في بدء الوجود في المعاني اعبدوا ربكم:
{ الذي جعل لكم الأرض فرشا } مبسوطا؛ لتستقروا عليها وتسترزقوا منها { والسماء بنآء } مرفوعا؛ لترتقي الأبخرة والأدخنة والمتصاعدة إليهم وتتراكم السحب فيها { و } بعد وجود هذه الأسباب { أنزل } بمحض فضله وفيضه { من } جانب { السمآء مآء } منبتا لكم الزروع والأثمار المقومة لمزاجكم وإذا أنزل { فأخرج به } سبحانه؛ أي: بسبب الماء { من الثمرت رزقا لكم } أي: أخرج رزقا لكم من الثمرات والطعوم؛ لتعيشوا بها وتقدروا إلى التوجه إلى توحيده وتفريده الذي هو غاية إيجادكم وخلقكم وما يترتب على وجودكم، وإذا كان كذلك { فلا تجعلوا } أيها المنعمون بانتزاع النعم { لله } الواحد القهار لجميع الأغيار { أندادا } أمثالا في استحقاق العبادة والإيجاد والتكوين والترزيق والإنبات والإضاء وغير ذلك مما يتعلق بالألوهية { وأنتم } إن وصلتم إلى مرتبة التوحيد الذي { تعلمون } [البقرة: 22] أن سلسلة الأسباب منتهية إليه سبحانه، ولا موجود إلا هو، بل لا موجود إلا هو
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمهآ إلا هو
[الأنعام: 59] والتحقيق بهذا المقام والوصول إلى هذا المرام لا يحصل إلا بعد التخلق بأخلاق الله، والتخلق بأخلاقه لا يتيسر إلا بمتابعة المتخلق الكامل، وأكمل المتخلفين نبينا صلى الله عليه وسلم، والمتخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم إنما يكون بالكتاب الجامع لجميع أخلاق الله، المنزل على مرتبته، الجامع جميع مراتب المظان، وفي نسخة أخرى: المظاهر.
[2.23-25]
{ وإن كنتم } أيها المحجوبون بالأديان الباطلة { في ريب } شك وارتياب { مما نزلنا } من مقام كما ترتيبنا وإرشادنا { على عبدنا } الذي هو خليفتنا ومرآنا ومظهر جميع أوصافنا، وحامل وحينا المنزل عليه، المشتمل على جميع الأخلاق الإلهية { فأتوا بسورة } جملة قصيرة { من مثله } إذ من خواص هذا الكتاب أن مجموعة مشتمل على جميع الأخلاق الإلهية، وكل سورة منه تشتمل على ما اشتمل عليه المجموع، تأمل.
{ و } إن عجزتم أنتم عن إتيانه { ادعوا شهدآءكم } حضراءكم الذين أنتم تشهدون بألوهيتهم وترجعون في الخطاب إليهم { من دون الله } المحيط بكم وبهم، فأمروهم بإتيان كل سورة جامعة جميع أوصاف المعبود بالحق { إن كنتم صدقين } [البقرة: 23] أنهم آلهة غير الله، سبحان الله وتعالى عما يقولون.
Page inconnue