227

{ إنما النسيء } أي: تأخير حرمة الشهر المحرم إلى شهر آخر بدله من غير المحرمات { زيادة في الكفر } لأن خصوصية هذه الأشهر معتبرة في الحرمة، واستبدالها ازدياد في الكفر؛ لأن هتك الحرمة كفر، وتبديلها كفر آخر { يضل به الذين كفروا } أي: بسبب تبديلهم إضلالا زائدا على ضلالهم الأصلي؛ إذ { يحلونه } أي: النسيء الذي يؤخرونه { عاما } سنة { ويحرمونه عاما } أخر بلا رعاية خصوصية في التحريم، وليس غرضهم من هذا التحليل والتحريم إلا { ليواطئوا } ويوافقوا { عدة ما حرم الله } وهي الأربعة من غير التفات إلى خصوصية { فيحلوا } بفعلهم وتبديلهم { ما حرم الله } بخصوصه، وما ذلك إلا أن { زين } أي: حسن وحبب لهم { لهم سوء أعمالهم } أي: تحليلهم وتبديلهم القبيح { والله } الهادي لعباده إلى صوب جنابه { لا يهدي القوم الكافرين } [التوبة: 37] الخارجين عن مقتضى مأموراته.

[9.38-39]

{ يأيها الذين آمنوا ما } ذا عرض ولحق { لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله } لنصرة دينه وإعلاء كلمة توحيده { اثاقلتم } أي: تثاقلتم وتعاللتم وتباطأتم، وصرتم من غاية ثقلكم وتكاسلكم كأنكم تلزقون { إلى الأرض أرضيتم } أيها المستبطئون { بالحياة الدنيا } الدنية الحقيرة ومزخرفاتها الفانية بدلا { من الآخرة } ولذاتها الباقية { فما متاع الحياة الدنيا } والاستمتاع بها، والتلذذ بمستلذاتها ومشتهياتها { في الآخرة } أي: جنب لذاتها ودرجاتها { إلا قليل } [التوبة: 38] مستحقر مسترذل، بل فان مطلقا، لا وجود لها أصلا عند من كحل الله عين بصيرته، وأذهب عمى قلبه.

{ إلا تنفروا } بعدما أمرتم به { يعذبكم } الله المنتقم منكم { عذابا أليما } باستيلاء عدوكم عليكم، واستئصالكم بأفظع الوجوه وأفزعها { و } بعد إهلاكهم { يستبدل } منكم { قوما غيركم } مطيعين لأمره، منقادين لحمه؛ لينفروا في سبيله، كأهل اليمن والفرس { و } اعلموا أنكم بتكاسلكم وتقاعدكم عن القتال المأمور { لا تضروه شيئا } إذ هو منزه عن تقويتكم وإضراركم، وكفركم وإيمانكم { والله } المنتقم على من خرج عن مقتضى أمره { على كل شيء } من صور الانتقام { قدير } [التوبة: 39] لا يخرج عن حيطة قدرته شيء.

[9.40]

{ إلا تنصروه } أي: إن لم تنصروا نبيه المؤيد من عنده { فقد نصره الله } الرقيب عليه، اذكروا نصر الله إياه وقت { إذ أخرجه الذين كفروا } أي: أهل مكة من مكة حال كونه { ثاني اثنين } أي: ليس معه إلا رجل واحد، وهو أبو بكر رضي الله عنه فذهبا نحو الجبل فدخلا الغار، واقتفى العدو أثرهما فوصلوا الغار { إذ هما } خبيئين { في الغار } فتحزن صاحبه من إدراك العدو، اذكروا { إذ يقول } صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة { لصاحبه لا تحزن } عن إدراكهم، ولا تيأس عن نصر الله وحفظه { إن الله } الرقيب علينا حاضر { معنا } يكفينا مؤونة ضررهم.

{ فأنزل الله } سبحانه بقوله صلى الله عليه وسلم { سكينته } أي: اطمئنانه وقراره { عليه } أي: على صاحبه { وأيده بجنود } أي: ملائكة مستحفظين مستحصنين، حارسين له { لم تروها } عيونكم، مثل أولئك الجنود { وجعل } سبحانه بنصره وتأييده إياه صلى الله عليه وسلم { كلمة الذين كفروا } أي: ما يدعون ويخاصمون معه لأجله وترويجه { السفلى } أي: الأدنى الانزل، لا يؤبه ولا يبالي بها أصلا { وكلمة الله } أي: كلمة توحيده التي ظهر بها حبيبه صلى الله عليه وسلم { هي العليا } إذا الحق يعلو ولا يعلى { والله } القادر المقتدر على كل من يشاء { عزيز } غالب في نصر أوليائه على أعدائه { حكيم } [التوبة: 40] في جميع أفعاله وتبدبيراته.

[9.41-43]

{ انفروا } أيها الغزاة المجاهدون في سبيل الله { خفافا } نشطا فرحانا، منبسطين لمرتبة الشهادة { وثقالا } قاصدا لأخذ الغنيمة والأحمال والأثقال من عدوكم، أو مشاة وركبانا { و } بالجملة: { جاهدوا بأموالكم } لتهيئة الأسباب وإعداد السفر { وأنفسكم } بتحمل المشاق والمتاعب { في سبيل الله } لتفوزوا من عنده بالمثوبة العظمى والدرجة العليا التي لا درجة أعلى منها { ذلكم } أي: ما أمرتم به من عند ربكم { خير لكم } في أولاكم وأخراكم { إن كنتم تعلمون } [التوبة: 41] الخير وتميزونه من الشر.

ثم قال سباحنه في حق المستخلفين عن القتال المأمور به، المستأذنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعتذرين له بالعذر الكاذب توبيخا لهم وتقريعا: { لو كان } ما تدعوهم إليه يا أكمل الرسل { عرضا } أي: متاعا دنيويا مما يشتهيه نفوسهم { قريبا } سهل الحصول { و } كان السعي في حصوله { سفرا قاصدا } متوسطا؛ أي: مساويا نفعه لمشقة تحصيله { لاتبعوك } ألبتة طائعين لمصلحة ما يؤملونه من جلب النفع، لا لغرض ديني ونفع أخروي { ولكن بعدت عليهم } المسافة، واشتدت { الشقة } أي: المشقة فيها، مع جزمهم بعدم الفائدة فيها بزعمهم الفاسد واعتقادهم الكاسد.

Page inconnue