[المائدة: 3] إلى غير ذلك مما دل وحدة مرتبته وإحاطتها على جميع المراتب؛ لذلك ختم به صلى الله عليه وسلم أمر الرسالة والتشريع { ولو كره الكفرون } [التوبة: 32] الساترون ظهور الحق، المريدون إطفاء نور الوجود في المشكاة المحمدية، وكيف يريدون إطفاء نوره اللائح اللامع من المظهر الجامع المحمدي؟!.
{ هو الذي أرسل رسوله } الهادي { بالهدى } العام الشامل لكافة البرايا { ودين الحق } وهو الإسلام { ليظهره } أي: الرسول ودينه { على الدين كله } أي: على كل الأديان، وينسخ جميعها به؛ لابتناء دينه على التوحيد الصرف، الخالي عن شوب التنويه وشين الكثرة مطلقا { ولو كره المشركون } [التوبة: 33] ظهوره بالهداية العامة، ونسخ دينه جميع الأديان؛ لخبث باطنهم.
[9.34-35]
{ يأيها الذين آمنوا } بالله ورسوله، وتحققوا وتيقنوا { إن كثيرا من الأحبار والرهبان } الموسوسين لضعفاء العوام، الملبسين لهم طريق الحق بالتغديرات المبتدعة من تلقاء نفوسهم، كالشيخوخة التي ظهرت في زماننا هذا، إنما غرضهم ومعظم مأمولهم { ليأكلون } ويأخذون { أموال الناس } المنحطين عن زمرة أهل التحقيق { بالباطل } أي: بتزويج الباطل الزائغ الذي ابتدعوها بلا مستند لهم.
{ ويصدون } أي: يصرفون ويضلون أباطيلهم وتلبساتهم ضعاء الأنام { عن سبيل الله } الذي هو الإسلام تلبيسا عليهم وتغريرا لهم؛ ليأخذوا الرضى منهم ويكنزوها { و } لم يعلموا أن { الذين يكنزون الذهب والفضة } أي: يجعلونها مخزونا محفوظا من أي ملة كانوا { ولا ينفقونها في سبيل الله } طلبا لمرضاته { فبشرهم } يا أكمل الرسل { بعذاب أليم } [التوبة: 34] مؤلم مفزع.
اذكر لهم { يوم يحمى } أي: حين توقدون وتحرقون { عليها } أي: على تلك الذهب والفضة المخزونة المحفوظة نار، مع أنها موضوعة { في نار جهنم } وهذا مبالغة لشدة احمائه، وبعدما حميت إلى أن صارت جذوة نار { فتكوى بها جباههم } ليوسموا بها ويعلموا على رءوس الأشهاد جزاء ما افتخروا بها في النشأة الأولى { وجنوبهم } ليتألموا بها أشد تألم، بدل ما يتلذذون بها أشد تلذذ { وظهورهم } بدل ما يستظهرون بها ويتعاونون بسببها، ويقال حين كيهم وتعذيبهم: { هذا ما كنزتم } وخزنتم { لأنفسكم } لتتنعموا بها وتسروا بجمعها وادخارها { فذوقوا } اليوم وبال { ما كنتم تكنزون } [التوبة: 35] بدل ما تتلذذون بها.
[9.36-37]
ثم قال سبحانه تعليما للمؤمنين على ما ثبت عنده من الأيام والشهور؛ لتتميم مصالحهم ومعاملاتهم: { إن عدة الشهور } على ما ثبت { عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } أي: في حضرة علمه ولوح قضائه { يوم خلق السموت والأرض } أي: حين أظهر سبحانه عالم الكون والفساد المقدر بمكال الأيام والليالي المنقسمتين إلى الشهور والأعوام والأسبوع والساعات؛ إذ في أزل الذات لا صباح ولا مساء، ولا صيف ولا شتاء، ولا الشهور ولا السنون، فسبحان من تنزه عن التبديل والتحويل، وتقدس عن الظهور والبطون.
{ منهآ } من تلك الشهور في كتاب الله { أربعة حرم } هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، سيمت بها؛ لأن الله سبحانه حرم فيها لعباده بعض ما أباح في الشهور الأخر كرامة لها واحترامنا، فعليكم أيها المكلفون أن تواظبوا فيها على الطاعات، وتداموا على الخيرات المبرات، واجتنبوا عن الآثام والجهالات، وأكثروا فيها الأعمال الصالحات وتوجهوا نحو الحق في جميع الحالات، سيما في تكل الشهور المعدة للتوجه من عنده { ذلك } أي: تحريم الشهور الأربعة { الدين القيم } المستقيم الموروث لكم من ملة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } بالخروج عن مقتضى تحريمها وهتك حرمتها؛ حتى لا تستحقوا عذاب الله ونكاله.
{ وقاتلوا المشركين } فيها إن قاتلوكم، ولا تبادروا وتسابقوا إلى قتالهم فيها وفي غيرها، بل إن بادروا على قتالكم قاتلوكم ، واقتلوهم { كآفة } أي: جميعا { كما يقاتلونكم كآفة } بلا ترحم وتوقيت { واعلموا } أيها المؤمنون { أن الله } المستوي على العدل القويم { مع المتقين } [التوبة: 36] الذي يحفظون نفوسهم عن هتك حرمة الله، قد حرمها الله لحكمة ومصلحة لم يطلعكم عليها.
Page inconnue