Tafsir al-Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Chercheur
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Maison d'édition
دار طيبة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الرابعة
Année de publication
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
إِسْرَائِيلَ خَدَمًا وَخَوَلًا (١) وَصَنَّفَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ فَصِنْفٌ يَبْنُونَ، وَصِنْفٌ يَحْرُثُونَ وَيَزْرَعُونَ، وَصِنْفٌ يَخْدِمُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عَمَلٍ وَضَعَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ.
وَقَالَ وَهْبٌ: كَانُوا أَصْنَافًا فِي أَعْمَالِ فِرْعَوْنَ، فَذَوُو الْقُوَّةِ يَنْحِتُونَ السَّوَارِيَ (٢) مِنَ الْجِبَالِ حَتَّى قُرِحَتْ (٣) أَعْنَاقُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَدَبِرَتْ (٤) ظُهُورُهُمْ مِنْ قَطْعِهَا وَنَقْلِهَا، وَطَائِفَةٌ يَنْقُلُونَ الْحِجَارَةَ، وَطَائِفَةٌ يَبْنُونَ لَهُ الْقُصُورَ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُونَ اللَّبِنَ وَيَطْبُخُونَ الْآجُرَّ، وَطَائِفَةٌ نَجَّارُونَ وَحَدَّادُونَ، وَالضَّعَفَةُ مِنْهُمْ يَضْرِبُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ ضَرِيبَةً يُؤَدُّونَهَا كُلَّ يَوْمٍ، فَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ضَرِيبَتَهُ غُلَّتْ يَمِينُهُ إِلَى عُنُقِهِ شَهْرًا، وَالنِّسَاءُ يَغْزِلْنَ الْكَتَّانَ وَيَنْسِجْنَ، وقيل: تفسيره ذكرما بَعْدَهُ: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ -يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحَاطَتْ بِمِصْرَ وَأَحْرَقَتْ كُلَّ قِبْطِيٍّ فِيهَا وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَهَالَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْكَهَنَةَ عَنْ رُؤْيَاهُ؟ فَقَالُوا: يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ غُلَامٌ يَكُونُ عَلَى يَدِهِ هَلَاكُكَ وَزَوَالُ مُلْكِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ كُلِّ غُلَامٍ يُولَدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَمَعَ الْقَوَابِلَ فَقَالَ لَهُنَّ: لَا يُسْقَطَنَّ عَلَى أَيْدِيكُنَّ غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا قُتِلَ وَلَا جَارِيَةٌ إِلَّا تُرِكَتْ، وَوَكَّلَ بِالْقَوَابِلِ، فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ قَتَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ صَبِيٍّ فِي طَلَبِ مُوسَى. وَقَالَ وَهْبٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ ذَبَحَ فِي طَلَبِ مُوسَى ﵇ تِسْعِينَ أَلْفَ وَلِيدٍ. قَالُوا: وَأَسْرَعَ الْمَوْتُ فِي =مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَخْلَ رُءُوسُ الْقِبْطِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَالُوا: إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ وَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَفَتَذْبَحُ صِغَارَهُمْ وَيَمُوتُ كِبَارُهُمْ فَيُوشِكُ أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ عَلَيْنَا؟ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَةً وَيَتْرُكُوا سَنَةً، فَوُلِدَ هَارُونُ فِي السَّنَةِ الَّتِي لَا يَذْبَحُونَ فِيهَا، وَمُوسَى فِي السَّنَةِ الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا.
﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ قِيلَ: الْبَلَاءُ الْمِحْنَةُ، أَيْ فِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: الْبَلَاءُ النِّعْمَةُ أَيْ فِي إِنْجَائِي إِيَّاكُمْ مِنْهُمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْبَلَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَبِمَعْنَى الشِّدَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يَخْتَبِرُ عَلَى النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ، وَعَلَى الشِّدَّةِ بِالصَّبْرِ وَقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً" (٣٥-الْأَنْبِيَاءِ) .
﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ فَرَقْنَا لَكُمْ وَقِيلَ: فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ وَسُمِّيَ الْبَحْرُ بَحْرًا لِاتِّسَاعِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ: بَحْرٌ إِذَا اتَّسَعَ فِي جَرْيِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَنَا هَلَاكُ فِرْعَوْنَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى ﵇ أَنْ يُسْرِيَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ لَيْلًا فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يُسْرِجُوا فِي بُيُوتِهِمْ إِلَى الصُّبْحِ،
(١) هم حشم الرجل وأتباعه، واحدهم خائل: وهو مأخوذ من التخويل: التمليك، وقيل من الرعاية. (٢) الاسطوانات. (٣) جرحت. (٤) دبرت ظهورهم، مأخوذ من دبرت الدابة: قرحت ظهرها.
1 / 91