فقلت في نفسي: والله يعلم خلوص قلبي إن سكت عن هذه التقارير، ظن الناس صحة تلك الأساطير، فإن نقاد الفنون في هذه الأزمنة قليلون، وأكثر من في عصرنا مغبون، غير مصون،(1) ومفتون غير مأمون، فإذا رأوا أهل النقد ساكتين، ولجدهم في إحقاق الرشد تاركين، ظنت صحتها الأفكار الكليلة، وآمنت بها الأنظار العليلة.
أفتنكر علي أن قمت في مقام الإحقاق، وقلت: يا أهل الخلاف والاتفاق؛ إني آنست نارا في هذه البوادي، فتعالوا أميز لكم بين العادي، وبين الهادي، وأفرق بين تقرير المقبول الموافق للعقول، وبين التحرير المغسول، المخالف للنقول.
واعلموا أنه ليس أن كل ما ذهب إليه الفاضل المشار إليه بالأنامل: كالشيخ السهسواني، والسيد القنوجي البهوبالي، يكون حقا، لكون مؤلفه مقتدى محقا؛ فكثيرا ما يكون للجواد السريع كبوة، وللعماد الرفيع هفوة(2)، وكثيرا ما تكون للصريع سطوة، وللجريح في المعركة رجعة وعودة، فإنما ينبغي أن يعرف الرجال، ويميز بينهم وبين الأطفال بالأقوال، لا أن تعرف الأقوال بالرجال.
أفتنكر علي أن بادرت إلى الذب عن سنن سيد المرسلين، وسارعت إلى إحياء مآثر المتقين؟!
أفتنكر علي أن نقحت القول الصحيح، وحققت الفعل الرجيح، وميزت بينه وبين القبيح والشنيع؟!
أفتنكر علي أن أزلت الظلامة، ولو لم أقم للإزالة، لم تزل إلى قيام القيامة؟!
Page 71