فهذه حجة قاطعة على أن مؤلف ((التبصرة)) نكث ببعته، وهدم توبته، ونسي ما قدمت يداه، وسهى ما كتبه في ((المذهب المأثور)) وما أبداه. من أنه لا يرتضي بمثل هذه الخصلة: أن يرد رجل على رجل بنفسه وينسبه إلى غيره طلبا للخفية، وإنه قد كان ارتكب مثل ذلك، ثم تاب عنه توبة نصوحا بعد ذلك.
واحسرة على العباد؛ يسلكون مسالك الفساد، ويطعنون على الغير، ولا ينظرون ما في أعينهم من القذى والضير.
هذا حال هؤلاء الأفاضل، الذين يدعون أنهم من محققي الأماثل، فما ظنك بالغافلين القاصرين، {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}(1).
ثم إني ماذا جنيت؟ وأي قبح ارتكبت؟ إن رددت على من افترى على جمهور الحنفية، ونسب إليهم استحباب الزيارة، مع أن أكثرهم صرحوا بكونها قريبة من الواجب، والقريب من الواجب في حكم الواجب، وضعف جميع الأحاديث الواردة في بحث زيارة القبر النبوي، مع كون بعضها حسنا على الرأي النجيح السوي.
ثم ترقى مما تفوه، فتفوه، في رسالة أخرى باستحباب الزيارة إجماعا، وأنكر القول بالوجوب والسنية رأسا، مع إقراره بقول الوجوب في الأولى.
ثم ألف رسالة أخرى، وأفتى فيها بما لا يفتى به مسلم، فضلا عن عالم أو متعلم، إلا من يكون علمه أكبر من عقله، ونظره أكثر من الفهم، وهو أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم غير مقدورة وغير ممكنة، وغير مشروعة، وأنها ممتنعة ومحرمة ، وملأ هاتيك الرسائل بلغويات المسائل، وهزليات الدلائل، وأتى فيها بما يتعجب الواقف عليها.
Page 70