شرب كوران المغني عند بعض الرؤساء فافتقد رداءه وزعن أنه سرق، فقيل له: ويحك أتتهمنا به أما علمت أن بساط الشراب يُطوى بما عليه، فقال: انشروا هذا البساط حتى آخذ ردائي واطووه إلى يوم القيامة.
المريمي في بعض التائبين:
إنْ كنتَ تبتَ عن الصهباءِ تشربها ... نسكًا فما تبتَ عن برٍّ وإحسانِ
تبْ راشدًا واسقنا منها وإن عذلوا ... فيما فعلت فقل ما تابَ إخواني
وقد أحسن القاضي ابن سناء الملك غاية الإحسان في قوله:
أتاني حديثٌ ليتَني لا سمعته ... فعنديَ منه مقعدٌ ومقيمُ
بأنَّ الحكيمَ الآنَ قد هجرَ الطِّلى ... وتابَ فقلنا ما الحكيمُ حكيمُ
أتُهجرُ شمسُ الراحِ وهي منيرةٌ ... ويتركُ بدرُ التمّ وهو وسيمُ
على الكوبِ من بعدِ الحكيمِ كآبةٌ ... وللجامِ من بعدِ الحكيمِ وجومُ
ومن بعدهِ زوجُ الخلاعةِ طالقٌ ... ومن بعدهِ أمُّ السرورِ عقيمُ
وعادت كؤوس الراح وهي سمائم ... لدينا وأنفاسُ المدامِ سمومُ
وكم منَّةٍ عند الحكيمِ لكأسهِ ... غدتْ ولها حقٌّ عليه عظيمُ
أنامتْ له منْ لا ينامُ وربَّما ... أقامتْ له ما لا يكادُ يقومُ
وذلك إنعامٌ قضى بنعيمهِ ... ومن جحدَ الإنعامَ فهو لئيمُ
فإنْ قالَ إني قد سقمتُ بشربها ... فقد يعشقون الجفنَ وهو سقيمُ
وإن قال إني قد سلمتُ فإنه ... كما قيل قدمًا للديغِ سليمُ
وسكّتني إبليسُ حين عتبتهُ ... بأن قال هذا الأمرُ ليسَ يدومُ
فإن تسألوني بالحكيمِ فإنني ... حكيمٌ بأدواء الحكيمِ عليمُ
إذا ما خبا وهجُ المصيفِ فإنني ... بتحليلِ ناموسِ الحكيمِ زعيمُ
على أنه كان قد تابَ مخلصًا ... وخافَ عقابَ الله وهو أليمُ
فتوبتهُ من سوء ظنٍّ بربه ... قبيحٌ وإلا فالكريمُ كريمُ
أخر، وأنشدنيه زين الدين الحافظي:
يعجبني شربيَ بالدور على ... تسلسل الماء ببطنِ الجدولِ
أنا الذي حدثت عنه وتري ... أقول بالدور وبالتسلسلِ
أنشد محيي الدين بن زيلاق لنفسه:
أنا في منزلي وقد وهب الل ... هـ نديمًا وقينةً وعُقارا
فابسطوا العذرَ في التأخر عنكم ... شغلَ الحلي أهله أن يعارا
آخر:
راحٌ إذا علتِ الأكفّ كؤوسها ... فكأنها من دونها بالراحِ
وكأنما الكاسات مما حولها ... من نورها يسبحن في ضحضاحِ
لو بثَّ في غسق الظلام ضياؤها ... طلع المساءُ بغرةِ الإصباحُ
نفضتْ على الأجسام صبغة لونها ... وسرتْ بلذّتها إلى الأرواحِ
ومدامةٍ يخفى النهار لنورها ... وتذلّ أكناف الدجى لضيائها
صبّتْ فأحدق نورها بزجاجها ... فكأنها جعلتْ إناء إنائها
وتكادُ إن مزجت لرقّة جسمها ... تمتازُ عندَ مزاجها من مائها
تزدادُ من كرمِ الطباعِ بقدر ما ... يودي به الأزمانُ من أجزائها
لا شيء أعجب من تولد برئها ... من سقمها ودواؤها من دائها
ابن المعتز:
بينَ أقداحهم حديثٌ قصيرٌ ... هو سحرٌ وما عداه كلامُ
وكأنَّ السقاةَ بين الندامى ... ألفاتٌ على سطورٍ قيامُ
الناجم:
فخذها مشعشعةً قهوةً ... تصبّ على الليل ثوبَ النهارِ
ينازعها الخدّ جريالها ... فتهديه للعينِ يومَ الخمارِ
الجريال الخمر، ويقال: جريال الخمر لونها، قال الأعشى:
وسبيةٌ مما تعتَّقُ بابلٌ ... كدمِ الذَّبيحِ سلبتها جريالها
يقول: شربتها حمراء وبلتها بيضاء.
ابن دريد، وأجاد ما شاء:
وحمراءَ قبلَ المزجِ صفراءَ بعدهُ ... بدتْ بين ثوبيْ نرجسٍ وشقائقِ
حكتْ وجنةَ المعشوقِ صرفًا فسلطوا ... عليها مزاجًا فاكتستْ لونَ عاشقِ
ويعجبني قول القائل، وتروى ليزيد بن معاوية:
وإنيَ من لذاتِ دهري لقانعٌ ... بحلو حديثٍ أو بمرِّ عتيقِ
هما ما هما لم يبق شيء سواهما ... حديث صديقٍ أو عبيق رحيقِ
وفي وصف سكران:
فبتُّ أرى الكواكبَ دانياتٍ ... ينلنَ أناملَ الرجلِ القصيرِ
أدافعهنّ بالكفين عني ... وأمسحُ عارضَ القمرِ المنيرِ
ابن المعتز:
1 / 66