خليليَّ هات الكأسَ ممزوجةَ الرضى ... بسخطٍ فقد طابَ التنادمُ والسمرُ
ونبِّهْ لنا منْ كانَ في الشربِ نائمًا ... فقد نامَ جنحُ الليلِ وابتسمَ الفجرُ
ابن قاضي ميلة:
ومدامة عُني الرضاب بمزجها ... فأطابها وأزارها التقبيلُ
ذهبية ذهبَ الزمانُ بجسمِها ... قدمًا فليسَ لجسمِها تحصيلُ
فكأنَّها شمسٌ وكفُّ مديرها ... فينا ضحًى وفمُ النديمِ أصيلُ
الماهر:
هو يومٌ حلوُ الشمائلِ فاجمعْ ... بكؤوسِ المدامِ شملَ السرورِ
منْ مدامٍ أرقّ من نفسِ الصّبِّ ... وأصفى من دمعةِ المهجورِ
رقَّ جلبابها فلم يُرَ إلاّ ... روحُ نارٍ تحلُّ في جسمِ نورِ
آخر:
وكأسٍ سباها السفرُ من أرضِ بابلٍ ... كرقةِ ماءِ الحزنِ في الأعينِ النُّجلِ
إذا شجَّها الساقي حسبتَ حبابها ... عيونَ الدبا من تحت أجنحةِ النملِ
آخر:
وزنّا الكأس فارغةً وملأى ... فكانَ الوزنُ بينهما سواءَ
مثله، وأظنه لابن دريد، وهو أبلغ:
تقُلتْ زجاجاتٌ أتتنا فرَّغًا ... حتى إذا مُلئتْ بصرفِ الراحِ
خفَّت فكادتْ أنْ تطيرَ بما حوتْ ... وكذا الجسومُ تخفُّ بالأرواحِ
الببغاء يصف معصرةً:
ومعصرةٍ أنختُ بها ... وقرنُ الشمسِ لم يغبِ
فخلتُ قرارَها بالرا ... حِ بعضَ معادنِ الذهبِ
وقد ذرفت لفقد الكر ... مِ فيها أعينَ العنبِ
وجاشَ عبابُ واديها ... بمنهلٍّ ومنسكبِ
وياقوتُ العصير بها ... يلاعبُ لؤلؤَ الحببِ
فيا عجبًا لعاصرها ... وما يفنى بها عجبي
وكيفَ يعيشُ وهو يخو ... ضُ في بحرٍ من اللهبِ
التنوخي:
وراحٍ من الشمس مخلوقةٍ ... بدتْ لكَ في قدحٍ من نهارِ
هواءٌ ولكنه جامدٌ ... وماءٌ ولكنّهُ غير جارِ
كأنّ المدير لها باليمين ... إذا قام للسقي أو باليسارِ
تدرّع ثوبًا من الياسمين ... له فرد كمٍّ من الجلنارِ
إسحاق الموصلي:
كأنَّ أباريق المدام لديهم ... ظباءٌ بأعلى الرقمتينِ قيامُ
وقد شربوا حتى كأنَّ رقابَهم ... من اللينِ لم تُخلقْ لهنَّ عظامُ
ابن الرومي في قدح:
كفمِ الحبِّ في الحلاوةِ أو أش ... فى وإنْ كانَ لا يناغي بحرفِ
تنفذ العينُ فيه حتى تراها ... أخطأتهُ من رقةِ المستشفِّ
وسطُ القدّ لم يكبَّر لجرعٍ ... متوالٍ ولم يصغَّر لرشفِ
لا عجولٌ على العقولِ جهولٌ ... بل حليمٌ عنهنّ من غيرِ ضعفِ
ما رأى الناظرون قدًّا وشكلا ... مثله فارسًا على ظهر كفِّ
السري الرَّفَّاء الكندي الموصلي:
كستْكَ الشبيبةُ ريعانَها ... وأهدتْ لكَ الراحُ ريحانَها
فدمْ للنديمِ على عهدهِ ... وغادِ المدامَ وندمانَها
يقال: إنما سمي النديم نديمًا لأنه تندم على مفارقته.
فقد خلع الأفقُ ثوبَ الدجى ... كما نضتِ البيضُ أجفانَها
وساقٍ يواجهُني وجههُ ... فتجعلهُ العينُ بستانَها
يتوّج بالكأسِ كفَّ النديمِ ... إذ عقدَ الماءُ تيجانَها
فطوْرًا يرشحُ ياقوتَها ... وطوْرًا يرصّعُ عقيانَها
وديرٍ شُغفتُ بغزلانهِ ... وكدتُ أُقبِّلُ صلبانَها
سكرتُ بقطرُ بل ليلةً ... لهوتُ فغازلتُ غزلانَها
وأيُّ ليالي الهوى أحسنتْ ... إليَّ فأنكرتُ إحسانَها
كان بعضهم يتحرج عن الخمر ويأمر غلامه بشراء المطبوخ، ويقول: حلّف الخمّار على أنه مطبوخ فإذا أتاه به، قال: هذا رديء لا صفاء له ولا لون، ولا يزال يردده حتى يأتيه بالخمر الصرفة، فيقول: أما استوثقت منه، فيقول: بلى واستحلفته، فيقول: أعرفه ثقة صادقًا وقد حج مرتين ثم يقعد ويشرب مطمئنًا.
شرب جعفري ولهبي على سطح عال فسكر الجعفري ووثب من السطح، وقال: أنا ابن الطيار في الجنة، فوقع إلى الأرض متكسرًا وكان في اللهبي بقية فقال: أنا ابن المقصوص في النار ولبد مكانه.
1 / 65