بنتُ عشرٍ صفتْ ورقت فلو صُب ... تْ على الليل راح كلّ ظلامِ
في رياضٍ بهيةٍ بكر النَّو ... ءُ عليها بمستهلِ الغمامِ
وقال أيضًا:
أعاذلُ ما على وجهي قتومُ ... ولا عرضي لأولِ منْ يسومُ
يفضّلني على الفتيانِ أني ... أبيتُ فلا أُلامُ ولا أُليمُ
أي لا آتي ما ألامُ عليه أي أعذل.
شُققتُ من الصبا واشتُقَّ مني ... كما اشتقَّت من الكرمِ الكرومُ
فلستُ أُسوِّفُ اللذاتِ نفسي ... مساومةً كما دُفع الغريمُ
ولا بمدافعٍ للكأسِ حتى ... يهيِّجني على الطربِ النديمُ
ومتّصل بأسبابِ المعالي ... لي في كلِّ مكرمةٍ حميمُ
رفعتُ له النداءَ بقمْ فخذْها ... وقد أخذتْ مطالعها النجومُ
فقمتُ فقام من أخوين هاجا ... على طربٍ وليلهما بهيمُ
أجرُّ الزقَّ وهو يجرُّ رِجلًا ... يجورُ بها النعاسُ ويستقيمُ
وقال:
ألا لا أرى مثلَ امترائي في رسم ... تغصُّ به عيني ويلفظه وهمي
ويروى: ألا لا أرى مثلي امترى اليومَ في رسمِ ماريت الرجل أماريه مراء: إذا جادلته، والمرية: الشك، وقوله: تغص به عيني: أي تمتلئ بالدمع معرفة، ثم ينكره وهمي لتغيره.
أتتْ صورةُ الأشباه بيني وبينها ... فجهلي كلاَ جهلٍ وعلمي كلاَ علمِ
فطبْ بحديثٍ عن نديمٍ مساعدٍ ... وساقيةٍ سنّ المراهقِ للحلمِ
ضعيفةُ كرِّ الكرفِ تحسبُ أنّها ... حديثةُ عهدٍ بالإفاقةِ من سقمِ
هذا هو الشعر الذي تطرب له النفوس فرحًا ومسرة، ويلوح على وجه المعاني الرائقة غرة، وماذا عسى أن يقال في شيخ الصناعة وفارس البراعة.
وإنّي لآتي الوصلَ من حيثُ يُتَّقى ... ويعلمُ سهمي حين أنزعُ من أرمي
النزع في القوس مدها، أخذه من قول ابن الدمينة:
وإنّي لآتي الأمرَ من حيثُ يتَّقى ... وأرعى الحمى من حيثُ لم يدرِ حاجره
المحجر، بالفتح: ما حول القرية، ومن محاجر أقيال اليمن: وهي الأحماء، وكان لكل واحد منهم حمى لا يرعاه غيره.
وقال أبو نواس:
صفةُ الطلولِ بلاغةُ الفدْم ... فاجعلْ صفاتكَ لابنةِ الكرمِ
لا تخدعنَّ عن التي جُعلتْ ... سقمَ الصحيحِ وصحةَ السقمِ
سقم الصحيح: الخمار وذهاب العقل، وصحة السقم: النفع الحاصل من شربها والنشاط العارض منه.
وصديقةِ النفسِ التي حُجبتْ ... عن ناظريك وقيِّم الجسمِ
شُجتْ فغالت فوقها حببًا ... متراصفًا كتراصفِ النظمِ
غالت: رفعت، والرَّصفة، بالتحريك: واحدة الرصف، وهي حجارة مرصوف بعضها إلى بعض أي مصففة.
فعلامَ تذهلُ عن مشعشعةٍ ... وتهيمُ في طللٍ وفي رسمِ
تصفُ الطلولَ على السماعِ بها ... أفَذو العيانِ كأنت في العلمِ
وإذا وصفتَ الشيءَ متبعًا ... لم يخلُ من سقطٍ ومن وهمِ
هو يخاطب المحدثين من الشعراء الذين وصفوا الطلول اتباعًا لمن وصفها مشاهدًا لها، يقول: لست في وصفك لها بالسماع كمن وصفها وشاهدها.
وقال:
يا شقيقَ النفسِ من حكمِ ... نمتَ عن ليلي ولم أنمِ
فاسقني البكرَ التي اختمرتْ ... بخمار الشيبِ في الرَّحمِ
اختمرت: لبست خمار الشيب في دنها فبلغت أقصى السن ولم تخرج عنه، وجعله كالرحم للطفل. وقيل: إنه نسج العنكبوت. وقيل: إن أول ما تنفطر الكرمة يخرج منها شيء أبيض شبيه بالقطن. وأقول: إنه لما وصفها بطول المكث حسن أن يقول: اختمرت بخمار الشيب، لموضع طول مدتها وعتقها وخدرها. وزاده حسنًا قوله: في الرحم، لأنها قد بلغت سن من لو كان يشيب لكان قد اختمر بخمار الشيب، وهذا واضح جيد.
ثمتَ انصاتَ الشبابُ لها ... بعدما جازتْ مدى الهرمِ
كأنها صوتت له فانصات مثل دعته فاندعى.
فهيَ لليومِ الذي بُزلتْ ... وهيَ تلوُ الدهر في القدمِ
عُتقتْ حتى لو اتصلتْ ... بلسانٍ ناطقٍ وفمِ
لاحتبتْ في القومِ ماثلةً ... ثمَّ قصتْ قصةَ الأممِ
قرعتْها بالمزاجِ يدٌ ... خُلقتْ للكأسِ والقلمِ
في ندامى سادةٍ زهرٍ ... أخذوا اللذات من أممِ
فتمشتْ في مفاصلهم ... كتمشي البرءِ في السقمِ
1 / 62