كاقترانِ الدرِّ بالد ... رِّ صغارًا وكبارا
فإذا ما اعترضته ال ... عينُ من حيثُ استدارا
خلتهُ في جنباتِ ال ... كأسِ واواتٍ صغارا
فإذا ما سلسلوها ... أحْذتِ العينَ احمرارا
صبوها في الحلوق فبقي تتابع جريها شبيهًا بالسلاسل والحذيا.
من يديْ ساقٍ ظريفٍ ... كسيَ الحسنَ شعارا
ومغنّ كلّما شئ ... تُ تغنَّى وأشارا
رفعَ الصوتَ بصوتٍ ... هاجَ للقلبِ ادِّكارا
صاحِ هل أبصرتَ بالحيّ ... ينِ من أسماءَ نارا
وقال:
ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بها أثرٌ منهم جديد ودارسُ
مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابسُ
الضغث قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس، وهذا البيت ينظر إلى قول امرئ القيس وإن لم يتضمن تشبيهًا:
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العنابُ والحشفُ البالي
حبست بها صبحي فجددت عهدهم ... وإني على أمثالِ تلك كابس
ولم أدرِ من هم غير ما شهدت به ... بشرقي ساباط الديار البسابسُ
البسابسُ: الصحارى الواحد بسبس، وقالوا: سبسب فقبلوا، كما قالوا: جذب وجبذ، وكأنه نظر في هذا البيت إلى قول أبي خراش:
ولم أدرِ من ألقى عليهِ رداءهُ ... ولكنه قد سلَّ من ماجدٍ محضِ
أقمتُ بها يومًا ويومًا وثالثًا ... ويومًا له يوم الترحل خامسُ
تدور علينا الكاس في عسجديةٍ ... حبتها بأنواع التصاويرِ فارسُ
العسجد: الذهب، يريد آنية ذهبية.
فللخمر ما زرّت عليه جيوبهم ... وللماء ما دارت عليه القلانسُ
يريد أن الخمر صُبت إلى حلوق الصور التي على الأقداح والماء إلى رؤوسها. وقال:
قالوا كبرتَ فقلت ما كبرت يدي ... عن أن تخبّ إلى فمي بالكاسِ
والراحُ طيبةٌ وليسَ تمامها ... إلاّ بطيبِ خلائقِ الجلاسِ
وكأنَّ شاربها لفرطِ شعاعها ... بالليل يكرع في سنا مقباضِ
وقال:
كفيتُ الصبا من لا يهش إلى الصبا ... وجمعت منه ما أضاع مضيعُ
أعاذل ما فرطتُ في جنب لذةٍ ... ولا قلت للخمار كيف تبيعُ
وقال:
ومدامة تحيا النفوسُ بها ... جلتْ مآثرها عن الوصفِ
وتروى سجد الملوك لها، ومنها:
فتنفست في البيت إذْ مزجت ... كتنفس الريحان في الأنفِ
من كفِّ ساقيةٍ مقرطقةٍ ... ناهيكَ من حسنٍ ومن ظرفِ
نظرت بعينيْ جؤذرٍ خرقٍ ... وتلفتتْ بسوالفِ الخشفِ
الجؤذر: ولد البقرة الوحشية، وخرق: لاصق بالأرض من الفزع، والسالفة: صفحة العنق. وقال:
وخيمةِ ناطورٍ منيفةٍ ... تهمُّ يدا من رامها بزليلِ
منيفة: هضبة مرتفعة. يقال: زللك يا فلان تزل زليلًا إذا زل.
إذا عارضتْها الشمسُ فاءَ ظلالها ... وإنْ واجهتْها آذنتْ بدخولِ
حلبتُ لأصحابي بها درةَ الصِّبا ... بصفراءَ من ماءِ الكرومِ شمولِ
درة الصبا: ماء مطر كان بالصبا وروى قوم: درة الصبي. يقول: سقيتهم صفراء شمولًا فكأني حلبت لهم درة لهو وتصاب.
إذا نزلتْ دونَ اللهاةِ من الفتى ... دعا همُّه من صدرهِ برحيلِ
وعاطيتُ من أهوى الحديثَ كما بدا ... وذلّلتُ صعبًا كانَ غيرَ ذليلِ
ويروى: غير ذلول، غير لين الرياضة، والذليل الممتهن، يقول: ذلك من لا يمتهنه أحد.
فغنَّى وقد وسَّدتُ يسرايَ خدهُ ... ألا ربما طالبتُ غيرَ منيلِ
وقال:
أما ترى الشمسَ حلتِ الحملا ... وطابَ وقتُ الزمانِ واعتدلا
ويروى:
وقامَ وزنُ الزمانِ واعتدلا
وغنتِ الطيرُ بعدَ عُجمتها ... واستوفتِ الخمرُ حولها كملا
الخمر تُعصر والشمس في آخر الأسد وأول السنبلة ومن هذا إلى أن تحل الحمل سبعة أشهر وهذا لا يكون حولًا. والمعنى أنها استوفت حولًا مذ عقد الكرم وورق، وقيل: حولها: تغيرها، تحول في الدن وتتلون فإذا مضت لها هذه المدة قرّت ولزمت شيئًا واحدًا ويكون هذا من حالت تحول حولًا والأول أجود.
وقول ثالث كان المبرّد يختاره، حولها: قوتها، من قولهم: لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
واكتستِ الأرضُ من زخارفها ... وشيَ نباتٍ تخاله حللا
1 / 60