لم أكد أعرف ما طعم الكرى ... مذ تمادى في مدى جفوتهِ
ربّ حسن مرسل من شعره ... مرسلٌ وجديَ من آيتهِ
حاكم في دولة الحسن كما ... يحكم الصاحبُ في دولتهِ
وقلت في أخرى:
سقى عهد الحيا عهد التصابي ... وحيّا طيبَ أيامِ الشبابِ
وروّض منزلًا بالجزع أقوى ... برغمي من سليمى والربابِ
ومرّ مسلّمًا يحدوه رعدٌ ... على تلك الملاعب والقبابِ
ديارٌ ما أجلتُ قداحَ لهوي ... بها إلاّ مع الخود الكعابِ
ولا عاقرتُ فيها الراح إلاّ ... وقد شجّت بمعسول الرُّضابِ
وبي فتّانةُ الألحاظ تبدو ... بدوّ الشمسِ من خللِ السّحابِ
تحاكي البدر مسفرةً وتحكي ... هلال الأفق من تحت النقابِ
وتبسم عن ثنايا خلت فيها ... مدامًا وهي فيه كالحبابِ
وقلت من أخرى:
بقلبي نيران تسعّرها الذكرى ... ولي مقلةٌ من بعد بعدكم عبرى
وما غبتُ عنكم ناسيًا لعهودكم ... ولا اعتضتُ عنكم وصل غانيةٍ أخرى
وكيف أرى السلوان عنكم وأنتم ... شفا قلبيَ العاني ومهجتي الحارّى
أقبّل ترب الأرض أنتم حلولها ... فأكسب في ذلّي لأرضكم فخرا
فقلبيَ ما أصبى إلى قرب داركم ... ووجديَ ما أوفى ودمعيَ ما أجرى
أسكان قلبي قد براني هواكم ... وغادرني إعراضكم والهًا مُغرى
وفي كلّ حالٍ أنتم غايةُ المنى ... قريبون من قلبي وإن بعد المسرى
وقلت من أخرى:
رفقًا فقد جاوزت في الهجر المدى ... وتركتني دامي الجفون مسهدا
ومنعت طيفك أن يلمّ بعاشقٍ ... لو زاره طيف الخيال لما اهتدى
يا هذه كفي ملالك عن فتىً ... لا يستطيع إذا هجرت تجلدا
أطمعتهِ في الهجر ثمَّ هجرته ... ضنًّا عليه فما عدا مما بدا
وزعمت أن قد ضلَّ في شرع الهوى ... أنّى يضلّ وقد بدا نور الهدى
أظميته شوقًا إليك ولوعةً ... وبفيك عذب مدامةٍ تجلو الصدى
وأريتهِ وردًا فأصبح دمعه ... مثل الصدى يحكي الكلام مورّدا
وبسمتِ عن درٍّ نظيمٍ أشنب ... فأسالَ درًّا في الخدودِ مبدّدا
وجلوت بدرًا والتفت ظبيّةً ... مذعورةً وخطرت غصنًا أملدا
أخلقت ثوب الصبر ثمَّ كسوته ... ثوبَ الصبابةِ والغرامِ مجدَّدا
ومنحته مرّ الجفا ومنعته ... حلو الكرى فحكيت أفعال العدى
وقلت أيضًا:
أيّ عذرٍ وقد تبدّى العذارُ ... إن ثناني تجلّدٌ واصطبارُ
فأقلاّ إن شئتما أو فزيدا ... ليس لي في هوى الملاح قرارُ
هل مجير من الغرام وهيها ... ت أسير الغرام ليس يجارُ
يا بديع الجمال قد كثرت في ... ك اللواحي وقلّت الأنصارُ
أنت ناري وجنتي فحقيقٌ ... أن أنادي يا جنةٌ يا نارُ
عجبًا أشتكي أوامًا ودمعي ... من تجافيك صوبهُ مدرارُ
بمحيّاك وهو بدرٌ له الهج ... رُ وطولُ الجفاءِ منك سرارُ
وبقدّ إذا انثنى خجل الغص ... ن لديه والأسمر الخطّارُ
وبطرف إذا رنا حارَ هارو ... ت وغار المهنّدُ البتّارُ
وبوجه حوى المعاني وما ... طوّل ليلي إلاّ جفوني القصارُ
وأقلني فقد عثرتُ ومندو ... ب إليه بأن يقالُ العثارُ
ومن أخرى:
قسمًا بريقك وهو عذب سلسلُ ... لا صدّني ما قال فيك العذلُ
أنا من عرفت على العهود محافظًا ... لا أنثني عنها ولا أتنقّلُ
قلبي يميل إليك من فرط الهوى ... والعينُ منه إلى لقائك أميلُ
وبمهجتي مذ غبتَ عني لوعةٌ ... نيرانها بين الجوانحِ تشعلُ
وكلتَ قلبي بالسهادِ ولم يكنْ ... لولاك طرفي بالسهاد يوكلُ
وحكمت فيّ بما أردتَ وإنني ... أرضى مطيعًا ما أردت وأقبلُ
وجهلتَ ما بي من هوىً وصبابةٍ ... رفقًا فما بيَ في الهوى لا يجهلُ
واعطف عليّ فعبء هجرك والنوى ... من كل ما حملتنيه أثقلُ
وقلت أيضًا، وهي من أشعار الصبا:
رفقًا بقلبي ضرّه البدر ... وراقبني ربك في أمري
وقللي الهجر فما لي يدٌ ... وطيب ليل الوصل بالهجرِ
أما وما في فيك من قهوةٍ ... تجري على حصباءَ كالدّرِ
1 / 53