أأحبابنا ماذا الرحيلُ الذي دنا ... لقد كنتُ منه دائمًا أتخوفُ
هبوا ليَ قلبًا إنْ رحلتم أطاعني ... فإني بقلبي ذلكَ اليومَ أعرفُ
ويا ليتَ عيني تعرفُ النومَ بعدَكم ... عساها بطيفٍ منكم تتآلفُ
قفوا زوّدوني إنْ مننتم بنظرةٍ ... تعلّلُ قلبًا كادَ بالبينِ يتلفُ
تعالوا بنا نسرقُ من العمر ساعةً ... فنجني ثمارَ الوصلِ منها ونقطفُ
وإنْ كنتمُ تلقونَ في ذاكَ كلفةً ... ذروني أمتْ وجدًا ولا تتكلفوا
وكم ليلةٍ بتنا على غيرِ ريبةٍ ... حبيبينِ ينهانا النهى والتعففُ
ظفرنا بما نهوى من الأنسِ وحده ... ولسنا إلى ما خلفهُ نتطرّفُ
وقال وهي من محاسن شعره:
أخذتُ عليه في الصيابةِ موثقًا ... وما زلتُ دهري من تجنيهِ مشفقا
ولي فيهِ قلبٌ بالغرامِ مقيدٌ ... له خبرٌ يرويهِ دمعيَ مطلقا
كلفتُ به أحوى الجفونِ مهفهفًا ... من الظبي أحلى أو من الغصنِ أرشقا
ومن فرطِ وجدي في لماهُ وثغرهِ ... أُعللُ قلبي بالعذيبِ وبالنّقا
ولي حاجةٌ من وصلها غيرَ أنها ... مردّدةٌ بين الصبابةِ والتّقى
خليليّ ماذا تعذلان عن امرئ ... تذكّرَ أيامًا مضتْ فتشوّقا
فلا تحسبا قلبي كما قلتما سلا ... ولا تحسبا دمعي كما قلتُما رقى
فما زادَ ذاكَ القلبُ إلاّ تماديًا ... وما زادَ ذاكَ الدمعُ إلاّ تدفّقا
قوله:
أعلل قلبي بالعذيب وبالنّقا
متداول، وأول من استعمله فيما أظن البحتري في قوله:
فسقى الغضا والنّازليهِ وإنْ همُ ... شبّوهُ بين جوانحٍ وقلوبِ
وقد أحسن الزكي بن أبي الإصبع غاية الإحسان في قوله:
إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها ... تذكرتُ ما بين العذيب وبارقِ
ويذكرني من قدّها ومدامعي ... مجرَّ عوالينا ومجرى السوابقِ
وقال المحيي:
لما تراءى رشأ نافرًا ... أسكنته من أضلعي المنحنى
ولابن الحلاوي:
يا أيها الرشأ الذي أسكنته ... من أضلعي بين الحمى والمنحنى
بعذيبِ ريقتهِ وبارقِ ثغرهِ ... أجدُ الطريقَ إلى المحبّةِ بيننا
ولابن النبيه:
الريقُ والثغرُ العذيبُ وبارقٌ ... وقباكَ مزرورٌ على نعمانِ
وقال زهير:
لحاظكَ أمضى من المرهفِ ... وريقكَ أشهى من القرقفِ
ومن سيفِ لحظكَ لا أتّقي ... ومن خمرِ ريقكَ لا أكتفي
أُقاسي المنونَ لنيلِ المنى ... فيا ليتَ هذا بهذا يفي
زها وردُ خديكَ لكنّه ... بغيرِ اللواحظِ لم يقطفِ
وقد زعموا أنّه مضعفٌ ... فيا لكَ من مضعفٍ مضعفِ
ملكتَ فهل ليَ من معتقٍ ... وجرتَ فهل ليَ من منصفِ
مددتُ إليكَ يدي سائلًا ... أُعيذكَ في الحبّ من موقفي
وحقّ حياتك إني امرؤٌ ... بغيرِ حياتكَ لم أحلفِ
وما ذاك إلاّ لتعظيمها ... كما يحلف الناس بالمصحفِ
لقد طابَ لي فيك مرّ الغرا ... مِ وإن صحَّ لي أنهُ متلفي
وأهوى رضاك وفيه الذي ... به يشتفي فيّ من يشتفي
وعنديَ عنديَ ذاك الوفاء ... سواءٌ وفيتَ وإنْ لم تفِ
1 / 41