قد استعمل الشعراء وأكثروا في ذكر ما يتعلق بألقاب النحو. أنشدني والدي للزكي بن أبي الإصبع أبياتًا أذكرها لحسنها والغرض منها ما ذكر من ألقاب النحو فيها وهي:
تصدَّقْ بوصلٍ إنَّ دمعيَ سائلُ ... وزوّدْ فؤادي نظرةً فهو راحلُ
فخدكَ موجودٌ بهِ التبرُ والغنى ... وحسنكَ معدومٌ لديه المماثلُ
أيا قمرًا من حسنِ وجنتهِ لنا ... وظلِّ عذاريهِ الضُّحى والأصائلُ
جعلتكَ بالتمييزِ نصبًا لناظري ... فهلاّ رفعتَ الهجرَ والهجرُ فاعلُ
غدا القدُّ غصنًا منكَ يعطفهُ الصبا ... فلا غروَ أنْ هاجتْ عليه البلابلُ
تنقلتَ من قلبٍ لطرفٍ مع النوى ... وهاتيكَ للبدرِ التّمامِ منازلُ
وقد ظرف القائل:
عرّج بنا نحو طلول الحمى ... فلم تزل آهلةَ المربعِ
عسى نطيل اليوم وقفًا على ال ... ساكن أوْ عطفًا على الموضعِ
وابن عنين أكثر من هذا، فقال يهجو:
مالُ ابنِ مازةَ دونهُ لعفاتهِ ... شوكُ القتادةِ أو منالُ الفرقدِ
مالٌ لزومُ الجمعِ يمنعُ صرفهُ ... في راحةٍ مثلُ المنادى المفردِ
وهذا غاية في حسنه، وقال لمصروف عن ولايته:
فلا تغضبنّ إذا ما صُرفت ... فلا عدل فيك ولا معرفه
وقال في الغزل:
كأنّ النوى إذ نادت الدمع رخمت ... فلا أثر فيها أجاب لعينِ
وهذا المعنى أوضحه القائل:
قد كان عيني بغير دمعٍ ... فصار دمعي بغير عينِ
وكان ابن عنين مريضًا فكتب إلى بعض ملوك الشام:
أنا كالذي أحتاجُ ما تحتاجهُ ... فاغنمْ ثوابي والدعاءَ الوافي
فجاء إليه ومعه ألف دينار، وقال: هذه الصلة وأنا العائد. وهذا من الملك أحسن منه من الشاعر. وذكرني النجم يحيى، يقوله:
أيا جوهريّ الثغر
أبياتًا للمغاربة أنشدنيها المرحوم تاج الدين، ﵁، وهي:
علقته حببيّ الثغر عاطره ... دريّ لون المحيا أحور المقلِ
إذا تأملته أعطاك ملتفتًا ... ما شئتَ من حركات الشادن الغزلِ
عزيّل لم تزل في الغزل جائلةً ... بنانه جولان الفكر في الغزلِ
جذلان تلعب بالمحراك أنمله ... على السدى لعب الأيام بالدولِ
ما إن يني تعب الأطراف مشتغلًا ... أفديه من تعب الأطراف مشتغلِ
جذبًا بكفّيه أو فحصًا بأرجله ... تخبُّط الظبي في أشراك محتبل
وقال النجم يحيى:
قسمًا بوصلك إنه العيش الهني ... وبنور وجهك إنه البدر السني
إني على وجدي وفرط صبابتي ... باقي الغرام وإنما صبري فَني
يا شمس إشراقٍ وبدر دجنّةٍ ... وغزالةً ترنو وغصنًا ينثني
أثمرت تفاحًا تصرّج حسنه ال ... زاهي وسيّجتَ العذار بسوسنِ
وكأنّ ذاك الخال عبدٌ أسود ... سكنَ السياجَ لينظرَ الورد الجني
قد أطنب الشعراء في وصف الخال وغرّبوا في نعته الأقوال، وها أنا أذكر منه ما يخطر بالبال ويربي على السحر الحلال، أنشدني بعض أصحابنا:
يا سالبًا قمر السماء بوجهه ... ألبستني في الحزن ثوب سمائه
أحرقت قلبي فارتمى بشرارةٍ ... علقت بخدّك فانطفا من مائه
وقال آخر:
لكَ خالٌ من فوقِ ... عسٍ قدِ استوى
بعثَ الصدغَ مرسلًا ... يأمرُ الناسَ بالهوى
وقال ابن الساعاتي:
ذو وجنةٍ ما لاح ماثلُ خالها ... بل لاحَ أسودُ مقلتي في مائها
وقال أيضًا:
ما الخالُ نقطةُ نون صدغك إنما ... قلبي بحبّته حباك تلهفا
وللحيص بيص:
لا تحسبنّ حدوث الخال عن قصرٍ ... من الطبيعة أو أحداثه غلطا
وإنما قلم التكوين حينَ بدا ... بنون حاجبه في خدّه نقطا
آخر:
لا تخالوا خاله في خدّه ... نقط مسك ذاب من طرته
إنما حبّة قلبي سُلبتْ ... فاستوت خالًا على وجنته
وينظر إلى قولهم: نقطةٌ ونونٌ، ما أنشدنيه محيي الدين ولم يسمّ قائلًا، وقيل لابن سناء الملك:
لهُ فمٌ يمنعهُ ضيقهُ ... أنْ يُخرجَ اللفظَ بتقويمِ
ولفظه نشوان من ريقه ... فهو لهذا غيرُ مفهومِ
ما فمهُ ميمٌ ولكنّهُ ... علامةُ الوقف على الميمِ
وقال الحاجري في الخال:
1 / 37