حرَّةُ الوجهِ والشمائلِ والجو ... هرِ تكليمها لمن نالَ غنمُ
وحديثٍ بمثلهِ تنزلُ العُصْ ... م رخيم يشوب ذلك حلمُ
هكذا وصفُ ما بدا لي منها ... ليسَ لي بالذي تغيب علمُ
مثل هذا:
لا والذي تسجد الجباه له ... مالي بما تحت ثوبها خبرُ
ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كانَ إلاّ الحديث والنظرُ
وقال إبراهيم بن هرمة:
ولو سمعتْ عصم بقدسِ كلامها ... إذًا لتحدرن الشواهق من قدسِ
وقال ابن دريد:
لو ناجتِ الأعصمَ لانحطَّ لها ... طوعَ القيادِ من شماريخِ الذُّرى
فهذه السرقة ليست كالأول، لأنها في الوضوح والاشتهار كما ترى وهي جميعها متضمنة حسن الحديث. ومن جيد ما سمعت فيه قول الأول:
وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى أزورها ... أرى الأرضَ تُطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفراتِ البيضِ ودّ جليسها ... إذا ما قضتْ أحدوثةً لو تعيدها
وقال ابن الرومي، وأحسن ما شاء:
وحديثُها السحرُ الحلالُ لو أنه ... لم يجنِ قتلَ المسلمِ المتحرزِ
إن طال لم يُمللْ وإن هي أوجزتْ ... ودّ المحدِّثُ أنها لم توجزِ
شركُ النفوسِ ونزهةٌ ما مثلها ... للمطمئنِ وعقلةُ المستوفزِ
وقال كشاجم:
منعمةٌ يقرِّبها هواها ... إذا نزحتْ بمنزلها البلادُ
يعادُ حديثها فيزيد حسنًا ... وقد يستقبحُ الشيءُ المعادُ
ومثل هذا:
يزيدك وجههُ حسنًا ... إذا ما زدتهُ نظرا
ولأبي نواس:
وكلما عدتَ فيه ... يكون في العودِ أحمدْ
ومثله:
كل شيءٍ يملّ منه إذا ما ... زاد إلاّ حديثكم لن يملاّ
وأنشدتُ للمغاربة:
ذات لفظ تجني بسمعك منه ... زهرًا في الرياض نداه طلُّ
لا يمل الحديث منها معادًا ... كانتشاق الهواء ليس يملُّ
قوله:
تجني بسمعك منه
مأخوذ من قول أبي تمام في وصف شعره:
كشفتُ قناعَ الشعرِ عن حرِّ وجههِ ... وطيرتهُ عنَ وكرهِ وهو واقعُ
بغرٍّ يراها من يراها بسمعهِ ... ويدنو إليها ذو الحجى وهو شاسعُ
ومثله لابن الساعاتي:
يفهم كلّ ناشقٍ لا سامعٍ ... ما حدّثتْ عن الرياضِ الشمألُ
وقال مروان بن أبي حفصة في الحديث:
تساقطُ منهنَّ الأحاديثُ غضّةً ... تساقطَ درٍّ أسْلمتهُ المعاقدُ
وأصله من قول أبي حيّة النميري:
إذا هنَّ ساقطنَ الأحاديثَ للفتى ... سقوطَ حصى المرجانِ من كفِّ ناظمِ
ومن هذا الباب:
هو الدرُّ منثورًا إذا ما تكلمت ... وكالدرّ منظومًا إذا لم تكلمِ
وقال البحتري، وأحسن ما شاء:
ولما التقينا والنقا موعدٌ لنا ... تعجبَ رائي الدّرِ حسنًا ولاقطه
فمنْ لؤلؤٍ تجلوهُ عندَ ابتسامها ... ومنْ لؤلؤٍ عندَ الحديثِ تساقطُهْ
وقد سبق الأخطل إلى هذا فقال:
خلوتُ بها وسجفُ الليلِ مُلقىً ... وقد أصغتْ إلى الغربِ النجومُ
كأنَّ كلامها درٌّ نثيرٌ ... ورونقَ ثغرها درٌّ نظيمُ
وقال آخر:
تبسمتْ فرأيتُ الدرَّ منتظمًا ... وحدثتْ فرأيتُ الدرَّ منتثرا
ولبعض المتأخرين:
أظهرنَ وصلًا إذْ رحمْنَ متيمًا ... وأرينَ هجرًا إذ خشينَ مراقبا
فنظمنَ من در المباسمِ جامدًا ... ونثرنَ من درِّ المدامعِ ذائبا
مثل البيت الأول ما أنشدنيه محيي الدين ولم يسمّ قائلًا:
أضحى يجانبني مجانبةَ العدى ... ويبيتُ وهو إلى الصباحِ نديمُ
ويمرّ بي خوفَ الرقيبِ ولفظهُ ... شتمٌ وغنجُ لحاظهِ تسليمُ
وقريب منه ما أنشدني شرف الدين بن الأثير الجزري:
قلتُ وقد أعرض عني عاتبًا ... آهًا عليه لو يفيدُ العتبُ
هل لك يا هذا بُعيد ما مضى ... من الوصال ليفيق الصبُّ
قال نعم وزادها لما رأى ال ... واشي لجيرانِ العقيق الذَّنْبُ
ومن الأخذ الواضح والسرقة التي تنادي على صاحبها ما أخذه المتنبي من جرير في قوله، وهي من الشعر الجيد في الغاية:
فيومان من عبدِ العزيزِ تفاضلا ... ففي أيِّ يوميه تلومُ عواذله
فيومٌ تحوطُ المسلمينَ جياده ... ويومُ عطاءٍ ما تغبُّ نوافله
1 / 26