L'Expressivisme dans la poésie, la nouvelle et le théâtre
التعبيرية في الشعر والقصة والمسرح
Genres
تشترك كل البرامج والبيانات النظرية التي صدرت عن التعبيرية في رؤيتها للإنسان الشامل، ورغبتها المخلصة في أن تلمس منه الروح والجسد والنفس والحس في وقت واحد؛ لذلك اعترضوا من البداية على النزعة الشكلية أو الجمالية الخالصة التي تهدف إلى تحقيق الشكل الكامل وحده (كما نجدها عند غلاة الرمزية مثلا)، وحاولوا التغلغل إلى الأعماق الدفينة في الإنسان، بكل ما يختلج فيها من ظلال وأسرار وإحساسات مبهمة. وفضلوا التدفق المحموم على الوضوح الصارم، والنشوة والعنف على التعقل والنظام.
ويكفي أن نستشهد بما يقوله أحد نقاد التعبيرية وأشدهم تحمسا لها، وهو «كورت بنتوس» الذي أصدر أشهر وأهم مجموعة من الشعر التعبيري وهي المجموعة المعروفة باسم «فجر الإنسانية». يقول هذا الناقد ملخصا الملامح البارزة والأهداف الرئيسية: «تحرير الواقع من الأطر التي يظهر من خلالها، تحريرنا نحن من الواقع وتجاوزه، لا بالالتجاء إلى وسائله الخاصة، ولا بالهروب منه، بل بمعانقته بشدة للانتصار عليه والتحكم فيه بقوة العقل النفاذة، بالمرونة والحركة، بالرغبة في الوضوح، بعمق العاطفة وطاقتها المتفجرة ... تلك هي الأهداف العامة التي يريد أن يحققها هذا الشعر الشاب.»
ويكفي أيضا أن نلقي نظرة سريعة على الرسم التعبيري. لقد سار في نفس الخط الذي سار فيه الشعر أو بالأحرى في خط مواز له. فهو قد مر بتجارب عديدة مشابهة للتجارب التي خاضها الشعر التعبيري، وحاول محاولاته المتعثرة التي تتميز مع ذلك بالجرأة والتهور في سبيل تحطيم الشيء أو الموضوع الخارجي وتحويله إلى ظاهرة مجردة والوصول إلى جوهره أو ماهيته.
أما الشعر التعبيري فقد حاول أن يتجاوز حدود الواقع بالإيقاع السريع المندفع، والصور القوية المجنحة، والانفعال المنغم، والرؤى الغربية، والعاطفة المتفجرة، والصيحات الحادة، التي تكشف كلها عن جوهر الإنسان وحقيقته التي طالما حجبتها المدنية الآلية خلف قناع كثيف من التصنع والكذب والنفاق والفساد والغرور العلمي.
كانت للتعبيرية إذن - وللشعر التعبيري بوجه خاص - رسالتها الكبرى. وكان الشعراء مؤمنين بأنهم لن يستطيعوا تحقيق هذه الرسالة حتى يحطموا القديم. ومن ثم انطلقت صيحاتهم العالية تهاجم الإنسان التقليدي وتبشر بالإنسان الجديد: الإنسان الذي تحرر من نظام حضاري وثقافي جنى عليه وأحاله إلى وحش معتد غبي كاذب.
أخذت معاول التعبيريين تهدم القديم وتنقب فيه عن الفجر الجديد. والحق أنهم نجحوا في الهدم إلى حد بعيد! بل لعل نجاحهم في الهدم كان أكبر من رغبتهم أو من تصورهم للبناء. ومع أنهم قالوا عن أنفسهم: إنهم ثائرون، فلن تكن ثورتهم بالثورة الشاملة. لقد التمسوا روادهم في أشخاص: دوستويفسكي ووالت ويتمان، وفي شعر الباروك، وحركة العصف والاندفاع الألمانية (أو الشتورم والدرانج التي كانت تغلب الاندفاع والجموح على النظام والشكل)، والأساطير والخرافات وحكايات الجن ونصوص التصوف القديم ورؤاه.
ويكفي أن نتصفح «الفارس الأزرق» - وهو الكتاب المشهور الذي نشره الفنانان المعروفان كاندنسكي وفرانز مارك - لنجد فيه بجانب رسوم الفن الحديث لوحات من «الجريكو» وصور تماثيل من الفن القوطي والبيزنطي والفرعوني والأشوري والياباني ونماذج من النحت الإفريقي ... فقد كانت نظرتهما إلى التعبيرية نظرة واسعة الأفق، والتمسوا التعبير المرئي واليدوي السابق على الحرف المكتوب. ولعل التعبيريين هم الذين اكتشفوا الفن البدائي ورسوم الأطفال اللذين كان لهما أثر كبير على تطور الفن المعاصر.
هكذا ارتبط فن الرسم بالشعر والأدب أوثق ارتباط، ولم يسبق في تاريخ الثقافة الألمانية أن كان لهما مثل هذا التفاعل الحي المتبادل. ويمكن أن نستشهد على هذا بالمجموعات الشعرية أو القصصية التي صورها الرسامون، وكتب الرسم التي علق عليها أو استلهمها الشعراء. فالرسام كيرشنر صور أشعار جورج هايم وأقاصيص ألفرد دبلن. وهناك عدد كبير من الفنانين الذين برعوا في الفن التشكيلي والأدب على السواء. فالرسام أوسكار كوكوشكا والمثال المصور أرنست بارلاخ كتبا المسرحية، والرسام ألفرد كوبين كتب المقالة والقصة والرواية الطويلة. والرسامون: باول كليه وهانز آرب وكورت شفيترز كتبوا القصيدة المتأثرة بأسلوبهم التجريدي أو الدادي. والشاعرة القصاصة إلزا-لاسكر شولر والمثال بارلاخ صورا أعمالهما الشعرية أو المسرحية بنفسهما. وهم بهذا قد أكدوا أحد الملامح البارزة في تاريخ الفكر الحديث، ألا وهو التعاون والتجاوب الحميم بين الفنون المختلفة من أدب ورسم وموسيقى. ولقد كانت أهم نتيجة تمخضت عن هذا التعاون بين الفنانين هي تأسيس عدد كبير من المجلات التي توالى صدورها منذ سنة 1910، واستمرت وقتا طويلا وصل في بعض الأحوال إلى خمسة عشر عاما. ونذكر منها مجلة العاصفة التي وردت فيها كلمة التعبيرية لأول مرة، للدلالة على الرسم الجديد، وقد أصدرها الكاتب والموسيقي والناقد الفني هيرفارت فالدن ابتداء من سنة 1910، ومجلة «الفعل» التي ظهرت سنة 1911 تحت إشراف ف. بفمبفرت، و«الثورة» في ميونيخ، و«الصحف البيضاء» في زيوريخ، و«الشعلة» في فيينا. وأيا ما كانت أسماء هذه المجلات، فالذي يهمنا في هذا المجال أنها كانت أشبه بالمعارض الفنية المنشورة، وأن كبار الفنانين التعبيريين كانوا يزينونها بصورهم ولوحاتهم الأصلية. بل إن «فالدن» الذي سبقت الإشارة إليه قد بالغ في هذا فألحق بمجلته قاعة فنية ودارا للنشر ومسرحا للتمثيل! وعرض في قاعته أعمالا من الفن التجريدي لكليه وكاندينسكي وغيرهما، ودافع بحرارة عن الأسلوب التجريدي في الحركة التعبيرية. ولم تخل مجلة «الفعل» أيضا من مظاهر الكفاح السياسي والاجتماعي، فقد أيدت الحركة اليسارية الألمانية، ونشرت المقالات والتقارير السياسية، بل نشرت كذلك نص الدستور السوفيتي! وإن دل هذا كله على شيء فإنما يدل على خصوبة الحركة التعبيرية، وتنوع اتجاهاتها واهتماماتها، واحتضانها لمختلف التيارات الثائرة والأصوات الغاضبة. ويطول بنا الحديث لو ذكرنا الحوليات والمجموعات المنتخبة من الأشعار والمسرحيات والقصص التي نشرها التعبيريون، ومن أهمها كتاب بعنوان: «يوم الحساب»، أصدره ك. فولف أكبر الناشرين لأعمال الحركة التعبيرية، وضمنه مجموعة مختارة من كتابات كافكا وجتفريد بن وفرانز فيرفل وغيرهم. ولم يقف الأمر عند الشعر والرسم والنقد الأدبي والنشاط السياسي والاجتماعي، فقد التفت التعبيريون إلى الفيلم وحاولوا لأول مرة في تاريخ تلك الصناعة الناشئة أن يربطوا بينه وبين الشعر.
وقد يسأل القارئ: وماذا عن الفلسفة؟! هذه الصديقة التقليدية للشعر والأدب الألماني؟ لقد انطلقوا حقا من فلسفة نيتشه، واستلهموه وتعلموا منه، ولكن لا بد من القول بأن الفلسفة لم يكن لها مكان في الحركة التعبيرية؛ أعني الفلسفة بمفهومها الاصطلاحي الدقيق، لا الموقف الفلسفي العام الذي لا يخلو منه بالطبع فكر أو فن؛ فالمذهب الفلسفي يتطلب نوعا من الاتزان العقلي، ويحتاج إلى كثير من الهدوء والروية والدأب الذي لم يكن من طبيعة التعبيريين. ومع ذلك فلا أحب أن أحرم القارئ من جواب قريب من سؤاله وإن لم يكن فيه شيء كثير يرضيه. فقد تحسن الإشارة إلى كتابين تشبعا بالجو التعبيري وتأثر أسلوبهما به، وهما: كتاب «نظرية الرواية» للناقد الاشتراكي المجري الشهير جورج لوكاتش، «وفكرة اليوتوبيا» للفيلسوف الاشتراكي إرنست بلوخ، والكتابان شاهدا صدق على هذا العصر الفائر المحموم، ولكنهما بعيدان عن أي محاولة لتنظيره أو دراسته دراسة مذهبية ومنهجية.
الشعر
Page inconnue