La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
أول ما نأخذه على هذه النظرية خلط أصحابها بين شروط قبول العودة وشروط العودة الفعلية: إن النسب المذكورة تهيئ الصورة للعودة؛ ولكن الواقع أن الصورة الواحدة تدعو إلى الذهن صورة أخرى دون سائر الصور المرتبطة بها. فما السبب في ذلك؟ ليست الصور هي السبب، فإن النسبة موجودة بين كثير منها، وقد أوضحنا أن الصور ليست مماثلة في الذهن بما هي صور، ولكن الذهن هو الذي يبعثها من كمونها ويمنحها الوجود في التصور. السبب هو الشخص ذاته، فإنه يدعو من الصور ما له به حاجة وما يقابل اهتمامه، وهذا الاهتمام ناشئ من استعداداته الفطرية وكفاياته المكتسبة وظروفه المعيشية والمعنوية، فتختلف الصور المدعوة باختلاف الأشخاص، كما نرى مثلا منظرا طبيعيا معينا يوحي بأفكار وعواطف مختلفة للمزارع والتاجر والفنان والعالم بطبقات الأرض. ونأخذ عليهم أيضا ظنهم أنهم ردوا النسب إلى نسبة التقارن؛ وإذا سلمنا بصحة ما قالوه بهذا الصدد، يبقى أن نسألهم: كيف يفسرون الشعور بالتقابل الذاتي بين النسب الجوهرية، والشعور بالتشابه والتضاد حيث يوجدان؟ وفي هذا الكفاية للدلالة على نشاط الفكر واستحالة الآلية فيه. (6) حياة الحيوان
جميع القوى المذكورة آنفا، وجميع أفعالها، تؤلف الحياة الحاسة المشتركة بين الإنسان والحيوان فنعود ونذكر «القوى» برغم معارضة الحسيين والتصوريين، فليست تفسر الأفعال المتنوعة إلا بمبادئ متنوعة أو قوى متمايزة فيما بينها، ومتمايزة من جوهر النفس؛ لأنها لا تفعل دائما، والنفس تظل بالفعل ما دام الحي موجودا. إنهم ينكرون القوى ولا يزالون يتحدثون عن وظائف وكفايات واستعدادات وميول، فأين الفرق بين ألفاظهم وألفاظنا؟
ومعظمهم ينكر الحياة على الحيوان، ويجعل منه مجرد آلة. ويتخذون من الغرائز أدلة على الآلية، فإن الغريزة من الجهة الواحدة استعداد فطري لصناعة معينة في جميع أفراد النوع، فيأتون مفعولا معينا بوسائل معينة لا يغيرها الحيوان إلا في النادر تحت ضغط الظروف، فهي استعداد تام منذ ميلاده، وهو لا يتردد في عمله الغريزي ولا يخطئ، حتى إن العصفور الذي يفقس في حاضنة وينشأ في قفص، يبني عشا إذا ما حصل على المواد اللازمة وهو بغير حاجة إليه، وإن من الحشرات أنواعا يهلك أفرادها قبل نقف ديدانها وتعد المكان والمئونة لهذه الديدان التي لن تراها، ونشأ النسل والغريزة فيه تامة، مما يدل قطعا على أن الغريزة عمياء، أي إنها آلية. ومن جهة ثانية الغريزة إدراك معنى غير محسوس في المحسوسات، حيث لا يدرك الحس الظاهر سوى الهيئات والمؤثرات الفعلية؛ مثل إدراك الشاة أن الذئب مهروب منه؛ وليس يتسنى للحيوان إدراك غير المحسوس، فليست تصح التسمية بالإدراك، وإذن يرجع الأمر إلى عمل آلي.
إذا كانت الغريزة هكذا فكيف تعلل؟ هنا يزهو الحسيون بتعليلهم، وقد جاء في أوضح صورة عند كوندياك، إذ استبعد أولا فكرة القوة الفطرية، والمذهب الحسي ينفر منها خشية الاضطرار إلى التسليم بفاطر غير منظور؛ وزعم أن الحيوان يكتسب كل ما يعرف ويعمل ، وأن الغريزة ثمرة التجربة الفردية، أي إنها عادة مكتسبة بالتفكير على ما بينه هو ابتداء من أبسط إحساس، ثم سقط عنها الشعور كما يسقط عن كل عادة. وبمثل هذا قال أصحاب نظرية التطور، أي بأن الحيوان كان في الأصل خلوا من كل غريزة، ولكن جهاده لحفظ بقائه دفع به إلى أن يلائم بين حاله وبين البيئة، وكان الفعل العكسي أول محاولة في سبيل هذه الملاءمة، فكرره وزاد عليه، فتأصل فيه بالتكرار، وصار عادة متوارثة؛ فالغريزة فعل عكسي مركب وعادة وراثية كونها النوع بتأثير القوى الطبيعية، وأضحت فطرية تامة في الأفراد.
هذا الرأي منتقد من وجوه، ونقده يقودنا إلى تحديد فكرة الغريزة:
الوجه الأول:
أن الفعل العكسي حركة بسيطة فسيولوجية بحت، والغريزة الصناعية مجموعة متنوعة فسيولوجية ونفسية (على ما سنبين فيما بعد) مرتبة لغاية معينة، ومهما يقل أصحاب التطور فمن المحال أن يخرج المتنوع من المتجانس، كما يستحيل أن يأتلف الكثير في واحد اتفاقا ومصادفة. وتبعا للطبيعة الفسيولوجية للفعل العكسي، فإن سببه تأثير فيزيقي كيميائي يقع على أديم الجسم؛ وتبعا للطبيعة النفسية للغريزة فإنها صادرة من باطن، وإذا ما صدرت عقب تأثير خارجي فليس هذا التأثير علة لها، وإنما هو فرصة ومناسبة.
الوجه الثاني:
أن الغريزة ضرورية لصيانة الحيوان وحفظ نوعه، فكيف تسنى له أن يحيا قبل اكتسابها، وهذا الاكتساب يستلزم أجيالا متطاولة بإقرار التطوريين أنفسهم، والأفعال التي تؤلف الغريزة الواحدة لا يفيد كل منها إلا مجتمعا مع سائرها، وإذا أخذ على حدة لم تتحقق به نتيجة فهو إذن غير مفيد، وليس هناك ما يدعو إلى تكراره، وهو لا يترك في جسم الحيوان أثرا ينتقل بالوراثة.
الوجه الثالث:
Page inconnue