La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
وفي أواخر القرن التاسع عشر توصل الماديون إلى تطبيق لمذهبهم ظنوه الدليل القاطع على صدقه، وذلك بإقامة نظرية دعوها «نظرية الأمكنة الدماغية»، وكان أشهر القائلين بها الدكتور بروكا
Broca ، وقد أعلن أنه وفق إلى تحديد مراكز في الدماغ لوظائف النطق والكلام، وأن من المستطاع تحديد مركز لكل وظيفة وإرجاع مختلف الصور إلى مناطق معينة من الدماغ؟ فكان لهذا الإعلان حظ عظيم من الاهتمام والرواج، وانتعش به «علم الفراسة» على نحو عجيب.
4
والحقيقة أن هذا الرأي قديم، وقد اصطنعه غير الماديين، ونحن نجتزئ بما أورده ابن سينا، فإنه يعين للحس المشترك مكانه في أول التجويف المقدم من الدماغ، وللخيال والمصورة في آخر هذا التجويف، وللمخيلة في التجويف الأوسط من الدماغ عند الدودة، وللقوة الوهمية في نهاية التجويف الأوسط من الدماغ. وللحافظة الذاكرة في التجويف المؤخر من الدماغ.
5
وليس يهمنا تحديد معاني هذه القوى، وقد تراوحت واختلفت عند ابن سينا نفسه؛ وإنما المهم محاولة تعيين أحيازها. وظلت هذه النظرية موضع أخذ ورد إلى أن أتاحت الحرب العظمى الأولى مشاهدات عديدة لجروح دماغية أثبتت فسادها.
أظهرت هذه المشاهدات؛ أولا: أن بعض الجرحى الذين فقدوا ثلث دماغهم استمروا على مزاولة جميع قواهم الذهنية. ثانيا: أنه لا يوجد أي مركز أصيل للغة ملفوظة أو مكتوبة، لا في أسفل التجويف الثالث لمقدم الدماغ اليساري، كما ادعى بروكا، ولا في منطقة أخرى؛ وإنما توجد مراكز مستحدثة. ثالثا: أنه وجدت حالات لفقدان النطق دون جرح في المركز الذي عينه بروكا، وحالات كان فيها هذا المركز مصابا دون اضطراب في النطق. رابعا: أن النسيان، سواء كان نتيجة إصابة في الدماغ، أو نتيجة ضعف الدماغ ضعفا عاما، يبدأ بأسماء الأعلام، وينتقل إلى أسماء النعوت أو الصفات ... إلخ تبعا لطوائف الأسماء، لا على نحو مجموعي للأسماء المكتسبة في وقت واحد كما تقتضي النظرية. خامسا: أنه إذا عطب المركز المستحدث فقد تقوم بوظيفته منطقة أخرى مجاورة دعيت لذلك بالوظيفة «الغائبة»
fonction vicariante ؛ مما يدل على أن ليس هناك مراكز تولد الوظائف، وأنها هي الوظائف التي تولد المراكز وتنظمها، وأن لفظ المركز يجب أن يؤخذ بمعنى واسع جدا. فسقطت هذه النظرية في ميدان العلم.
وللماديين نظرية في استعادة الصور، اشتهر بها خاصة الفلاسفة الإنجليز من الحسيين، هيوم وجيمس مل وجون ستوارت مل وألكسندر بن وهربرت سبنسر، بنوها على المشاهد من عودة الصورة إلى الذهن بمناسبة إحساس أو صورة أخرى حاضرة فيه. ومعلوم أن النسب بين الصور تتوزع إلى طائفتين: جوهرية وعرضية. النسب الجوهرية قائمة على ماهيات موضوعات الصور، كنسب الجوهر والعرض، والعلة والمعلول، والمبدأ والنتيجة، والغاية والوسيلة، والجنس والنوع، والجزء والكل. وما إلى ذلك؛ والنسب العرضية قائمة على أعراض في الموضوعات أو في الذهن، وهي ثلاث محصورة لدى أفلاطون في محاورة «فيدون» ولدى أرسطو في «رسالة الذكر والتذكر»، فإن الموضوعات قد تكون متشابهة أو متضادة أو متقارنة في المكان والزمان؛ وقد يكون التشابه والتضاد في ذات الشخص المدرك، كما لو آثر لونين من الطعام فإنهما يتشابهان لديه من هذه الناحية، أو آثر لونا وكره آخر فإنهما يتضادان لديه بهذا الاعتبار. وثمة نسبة مأثورة منهم هي الاقتران، لبعدها عن الوعي الصريح وقربها من الآلية، فإن إحدى صورتين مكتسبتين في مكان واحد أو وقت واحد، غالبا ما تستدعي الأخرى، لا لشبه أو تضاد بينهما، بل لمجرد الاقتران.
وبناء على هذا ردوا إليها سائر النسب: الجوهرية منها لكونها مقترنة في الإدراك؛ والمتضادة لهذا السبب؛ ولأن المتضادين يجتمعان تحت جنس واحد، كالأبيض والأسود تحت جنس اللون؛ والمتشابهة أخيرا فإنها هي أيضا تجتمع تحت أجناس، فإنها تتشابه بعنصر معين مندمج في كل منها، فيجعلها مقترنة في الذهن. ويتصورون الإحساسات كالذرات العنصرية لها خصائصها تدفعها إلى التداعي والتجمع، وبهما تفسر جميع الأفعال الذهنية المركبة، بحيث تعود الحياة الوجدانية ضربا من العادة الآلية، كلما ظهر فيها حد أيقظ حدا آخر.
Page inconnue