La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
أما ليبنتز فقد استبان نقص الآلية من وجهين: وجه الحركة، ووجه المادة. لما كان الآليون ينكرون الماهيات فقد خلص لهم أن الجسم امتداد صرف ، وجعلوا منه شيئا منفعلا وحسب، خلوا من القوة لاستنادها إلى الماهية في عرف القائلين بها. ولكن التجربة تنبئنا أن الجسم الكبير أصعب تحريكا من الصغير، فليست مادة الكبير محض امتداد، ولكنها أيضا مقاومة، والمقاومة راجعة إلى المقاومة، أي إنها نوع من القوة. وتنبئنا التجربة أن الجسم المتحرك إذا حرك جسما ساكنا فقد شيئا من حركته، ولا يعلل ذلك إلا بمقاومة الساكن، والمقاومة نوع من القوة كما أسلفنا، وأيضا ما الذي يميز الجسم المتحرك من الجسم الساكن إذا نظرنا إلى الأول في نقطة ما من خط مسيره، إذ لا يمكن اتصال الحركة إلا بوساطة قوة أو ميل في ذات المتحرك؟ ولولا ذلك لعادت الحركة عبارة عن سلسلة سكونات، وإذن فماهية الجسم تقوم في القوة، وتظل القوة حتى ولو وقفت الحركة.
10
ومن وجهة المادة تبدى لليبنتز أن الجوهر الفرد أو الذرة كما تصورها ديموقريطس وسائر تابعيه، لا يمكن وحدة بمعنى الكلمة، أي: جوهرا حقا، فإن كل جسم، مهما افترضناه صغيرا، فهو ممتد، وكل امتداد فهو منقسم إلى غير نهاية، أي إنه مجموع جواهر، وإذن فالمادة كثرة بحتة، ولو لم يسعفنا التحليل الفعلي في استنفاد أجزائها، والأجسام «وحدات قوية»، وليس من وحدة حقة إلا وحدة الموجود اللا مادي، البسيط غير المنقسم، فما يبدو لنا جسما طبيعيا هو في الحقيقة وحدة لا مادية، وما يبدو مكانا أو مسافة هو في الحقيقة مجرد تصور.
وواضح أن هذا المذهب الجاحد للامتداد والحركة لا يصلح تفسيرا للطبيعة الممتدة، المتحركة، وإنما هو قاض على العلم الطبيعي كما قضى عليه بارمنيدس بقوله: إن العالم واحد ساكن؛ وتابعوه من العلماء المعاصرين المؤلفون الأجسام من «مراكز طاقة» كما يقولون، ينضمون للآليين، ويزيدون عليهم خطأ جسيما هو اعتبار الطبيعة بما فيها وهما من الأوهام كما يوحي بذلك المذهب التصوري. إنهم يؤلفون المادة من الطاقة التي لا امتداد لها، ومتى كانت الطاقة واحدة بالنوع، أصبحت كالحركة عند الآليين، ولم تصلح لتفسير تنوع الأجسام وخصائصها وأفعالها. وفيما يلي اعتراضات خاصة فوق هذا الاعتراض العام ، وإتمام لتنفيذ المذهب الآلي. (6) كمية الأجسام الطبيعية أو تفنيد المذهب الدينامي
لكل جسم مقدار أو كمية. والكمية هي العرض المادي للجوهر الجسمي بأجزاء ممتدة ومتقارنة. وهي العرض الأول في الجسم: لا الأول زمانا، فإن الجسم ممتد طبعا، بل الأول رتبة، إذ بوساطته يحمل الجوهر باقي الأعراض. هي عرض، وليست جوهر الجسم كما يعتقد الآليون، فإن لكل جسم ماهية تختلف عن كميته، ولا يمكن أن يكون تفاوت مقدار المادة العلة الوحيدة الكافية لتنوع الأجسام تنوعا بالماهية. أجل إن في الجماد اقتضاء لكمية معينة من المادة لتقوم الذرة والجزيء والبلور، كما أسلفنا، ولكن هذا شرط فقط لقوام الجوهر وفعله وظهور خصائصه. ويبدو ذلك بشكل أوضح في الكائنات الحية، حيث تختلف الكمية دون مساس بالماهية. الجسم الرياضي يحدث بمحض الامتداد، ويعرف بالأبعاد الثلاثة؛ أما الجسم الطبيعي فهو مبدأ فعل وانفعال، وما الكمية فيه سوى شرط لازم للتقوم والفعل. والآليون يخلطون بين هذين النوعين، أي إنهم يفكرون بالمخيلة لا بالعقل، ويأخذون الجسم الرياضي مثالا لمطلق الجسم تفاديا للقول بالماهية في الجسم الطبيعي. ولم لا ننهج هنا منهج ديكارت نفسه في تمييزه بين النفس والجسد، فنقول: ما دمنا نتصور بوضوح الأبعاد دون الجوهر، فإن الشيئين متمايزان؟
عن الكمية يلزم المكان، وله شأن كبير في الفلسفة القديمة وشأن أكبر في الفلسفة الحديثة، كما ذكرنا في كتاب «العقل والوجود». المكان خاص ومشترك: المكان الخاص هو الحيز الذي يشغله الجسم بمقداره؛ والمكان المشترك هو الحيز الذي تشغله جملة أجسام، وحيثما توجد أجسام يوجد مكان، وحيثما لا توجد أجسام لا يوجد مكان. ولكن الآليين المفكرين بالمخيلة كما قلنا، يطاوعونها في تخيلها المكان شيئا عينيا ممتدا إلى ما لا نهاية، كما تخيل ديموقريطس وأبيقور، وديكارت وجساندي، ونيوتن وكلارك، والحقيقة أن ليس للمكان من وجود إلا بوجود جسم، فنتصور الخير المشغول بالجسم كأنه شيء عيني. ولسنا نريد أن نقول: إن المكان محض تصور، ما ارتأى ليبنتز وكنط وأتباعهما من التصوريين، من حيث إن الأجسام الشاغلة له هي موجودات عينية حاصلة بالطبع على كمية.
فلا يبقى إلا أن نستنتج مما تقدم أن المكان موجود ذهني له أساس في الواقع، أي في طبيعة الأشياء؛ مثل الإنسانية والحيوانية وما إليهما. نقول: إنه موجود ذهني، فإننا لا نجد مطلقا أبعادا ثلاثة هي مطلق محل لقبول الأجسام متمايزة منها وقابلة لمفارقتها، ونقول: إن له أساسا في طبيعة الأساس، فإن الأبعاد الثلاثة المتصورة محلا كليا عاما هي محاكاة للأبعاد الثلاثة في الأجسام التي نراها منطوية بعضها على بعض ومحلا بعضها لبعض.
وليست الأجسام مركبة من ذرات منفصلة متجاورة فقط كما يتصور الآليون، ولكنها متصلة، ولا يمنع اتصالها ما فيها من مسام، فإن الذرات (أو الخلايا في الأحياء) إن لم تكن متصلة اتصالا مطلقا، أي من جميع جهاتها، فإنها متصلة اتصالا نسبيا، أي من بعض الجهات، فلا تفسد وحدة الموجود. الوجدان يشهد شهادة واضحة لا تقبل الشك أن أعضاءنا متحدة بعضها ببعض، وأنها تكون جسما واحدا غير منقسم؛ فإن كل إحساس، في كل نقطة من جسمنا، محس معلوم للفور دون واسطة أو استدلال. ويشهد العقل أن أجزاء الكائن الحي تحيا كلها بالحياة الشخصية، وأن في الكائن الحي مبدءا واحدا حالا فيه، ولو كانت الأجزاء والأعضاء منفصلة لاستحالت الحياة الشخصية. والأمر واحد في الجماد ووحدته وفعله وانفعاله.
ووجه الاستحالة أن إنكار الاتصال يستلزم التسليم بأن كل فعل فهو يتم «عن بعد»، سواء في كل جسم جسم، أي في الخلاء الفاصل بين الأجزاء، وبين الأجسام بعضها والبعض في الخارج. ولكن لا فعل عن بعد، أو «لا حركة في الخلاء» كما يقول الإسلاميون، فإن الذي يسلم بها مضطر للتسليم بأن المخلوق يفعل حيث لا وجود له، أو أن يزعم أنه موجود عن بعد، وكلا هاتين القضيتين متناقضة معارضة للعقل، إذ من غير الممكن فصل الفعل عن فاعله، ولا الفصل بين الفاعل وحيزه. ويتوهم البعض أن الفعل عن بعد إصدار أعرض من الفاعل إلى المنفعل في الخلاء، وليس للأعراض وجود مستقل حتى تسير هكذا، وليس الخلاء شيئا حتى يحمل العرض أو الجوهر .
يقال: إن الجسم أو الامتداد منقسم إلى غير نهاية، وهذه عبارة متداولة لا يغني تداولها عن شرحها. إن الجسم ينقسم إلى ما لا نهاية من الوجهة الرياضية وفي العقل فقط، أي من جهة ما هو جسم ممتد، فإن القسمة الامتداد تعطي دائما آحادا ذات امتداد، لما ذكرناه من استحالة تكون المركب من بسائط ووجوب قبوله للقسمة دائما. أما من الوجهة الواقعية، أي من حيث هو موجود متشخص فلا ينقسم إلى غير نهاية، فإن الجسم المتشخص حاصل على صورة متحدة بالمادة، فإذا قسمنا مادته غير ماهيته، وأفضينا به إلى التلاشي بصفته هذه الماهية المعينة.
Page inconnue