La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
ويجب الاحتراز من تصور الهيولي والصورة جوهرين تامين متجاورين في الجسم. إنهما جوهران ناقصان. الجوهر الناقص هو الذي لا يفسر وحده جميع خصائص الجسم، ولا يحدث جميع الأفعال المعهودة منه. إنهما متحدتان اتحادا جوهريا يكمل إحداهما بالأخرى، فتتقومان جوهرا تاما واحدا: «الهيولي هي جوهر من حيث موضوعة للصورة، والصورة هي جوهر من حيث مقومة للموضوع، والمركب منهما جوهر من قبل إنه مركب منهما.»
8
وقد زعم ابن سينا وألح في زعمه أن الهيولي تتحد أولا «بصورة جسمية » تحقق فيها الأقطار الثلاثة، فإنها «لو كانت خلوا عن الأقطار لكانت حينئذ غير كم، وكانت غير متجزئة الذات».
9
لكن هذا غير لازم، إذ لو كانت هناك صورة جسمية لكونت من الهيولي جوهرا تاما، أي: كائنا ذا وحدة، فإذا طرأت عليه الصورة النوعية لم تتحد به اتحادا جوهريا، بل كان شأنها شأن العرض، وكانت الأجسام الطبيعية مركبات عرضية عديمة الوحدة، وهذه نتيجة يأباها ابن سينا نفسه. فيكفي أن نقول: إن الجسم الطبيعي مركب من هيولي ومن صورة واحدة هي الصورة النوعية تعطي المركب الأقطار الثلاثة والنوع، وسائر الخصائص والكيفيات.
فالهيولي والصورة النوعية جزءان متكاملان، فلا توجد إحداهما دون الأخرى. فيجب النظر إليهما في المركب حيث تؤدي الهيولي مهمة الموضوع أو المحل، وتؤدي الصورة مهمة الماهية المعينة كل منهما جوهر ناقص في ذاته، مفتقر للآخر في الوجود والفعل، واتحادهما أولي لا يسبقه اتحاد، وهذا هو السبب في أنهما يؤلفان هيئة واحدة تامة. وفعل الجسم الطبيعي ليس من الهيولي وحدها، ولا من الصورة وحدها، ولا من الاثنتين متجاورتين متعاونتين، بل من المركب منهما تركيبا أوليا، ومن ثمة جوهريا. ولفكرة الجوهر الناقص أهمية كبرى في تعيين نوع اتحاد النفس الإنسانية بالجسد، فإن القائلين بالهيولي والصورة على الوجه المتقدم، وبروحانية النفس وبقائها بعد الموت، يجدون أمامهم مسألة عسيرة هي: هل النفس الإنسانية صورة جسم فتفنى بفنائه؟ أم هي جوهر روحاني لا يتحد بالمادة اتحادا حقيقيا؟ سنعود إذن إلى هذه المسألة حين نبحث في ماهية نفس الإنسان، ولعل هذا المبحث المعين يزيد المسألة وضوحا.
ويجب الاحتراز من تصور العناصر المكونة للمركب الطبيعي باقية فيه بالفعل، أي على حيالها كما تكون خارج المركب. ذلك وهم الآليين وتصوير الخيال، ولكنا رأينا أن المركب هو من طبيعة مختلفة اختلافا جوهريا عن عناصره، فلا نستطيع أن نفهم اختلاف نوع المركب مع بقاء عناصره بالفعل، كما نفهم الخليط. فالواجب أن نعتقد أن العناصر «كامنة» في المركب، باقية فيه بالقوة، كوجود النبتة في البذرة، ثم تبين بالفعل، أي بخصائصها وأفعالها، عند انحلال التركيب. لكن الآليين مضطرون من قبل مذهبهم الحسي إلى تخيل الأشياء وجحد ما لا يتخيل، فلا يحاولون تعقل الأشياء بمبادئها؛ و«القوة» لا تتخيل، فيأبون أن يجعلوا لها محلا من تفكيرهم، فيصلون إلى تلك النتائج غير حافلين بمناقضتها للعقل والتجربة جميعا. (5) المذهب الدينامي
هنا أيضا نصطنع اللفظ الإفرنجي
dynamisme ، من اللفظ اليوناني «دوناميس»، أي القوة، فلا نقول: مذهب «القوة» أو مذهب «الطاقة»؛ وبذلك ندل ابتداء على المعنى المقصود؛ ونتحاشى استعمال النسبة للفظ «القوة» ولفظ «طاقة» لما يبدو على هذه النسبة من غرابة حين نقول: «قوي» أو «قوية» و«طاقي» أو «طاقية». وما أكثر أخذ اللغات بعضها عن بعض، خصوصا في المسائل العلمية، حيث يظهر ميل عام إلى توحيد الاصطلاحات. ولنا أسوة بالعلماء والفلاسفة الإسلاميين، فإن كتبهم مشحونة بالألفاظ اليونانية كما هو معلوم.
للمذهب الدينامي صورتان: الأولى نشأت في العصر القديم، وهي ساذجة غير ذات خطر، والثانية ابتدعها ليبنتز، وهي أدق وأعسر، وهي المقصودة عادة. فأوائل الفلاسفة اليونان، أولئك الذين عينوا عنصرا من العناصر الأربعة مادة أولى للموجودات الطبيعية، اعتقد كل منهم أن العنصر الذي عينه حاصل على قوة باطنة متحرك بها؛ فدعوا بأصحاب المادة الحية؛ وأنبا دوقليس الذي اعتبر العناصر منفعلة وحسب، افترض لتعليل الحركة قوتين كونيتين دل باسميهما، وهما المحبة والكراهية، على نوع عليتهما: المحبة تجمع بين العناصر، والكراهية تفرق بينها؛ ثم جاء الرواقيون وقالوا: إن العالم حيوان كبير حاصل على نفس وعلى قوة ذاتية أو حياة. فعندهم جميعا أن الحركة صادرة عن الأجسام أنفسها، إما مباشرة وتبعا لطبيعتها، وإما بصفة غير مباشرة، أي: بعلة متمايزة منها كالمحبة والكراهية والنفس العالمية، خلافا للآليين الذين يعتبرون الحركة عرضا ظاهريا لا يقتضي منهم علة معروفة، ولا يمس ذات الأجسام، بل يمر من جسم إلى جسم، إلى غير نهاية.
Page inconnue