أبو القاسم، عبد الرحمن، فهو من بيت لم يزل فيهم مع توالي الأعصار، وتصرف الليل والنهار، أعلام علم ودين، وأرباب قدم وتمكين، إلى أن نشأ المذكور، فرفع في طرائق الفخار منارهم، وأوقد في علم العلوم نارهم، كان فقيها، إماما، بارعا شاعرا، خيرا، دينا مربيا للطلبة، متواضعا كريما، تفقه على والده، وعلى ابن عبد السلام، وتولى الوزارة، وقضاء القضاة، ومشيخة الشيوخ فسار أحسن سيرة، وما يرضاه عالم العلانية والسريرة، وأضيف إليه تدريس الصالحية والشريفية بالقاهرة، والمشهد الحسيني، وخطابة جامع الأزهر، وامتحن محنة شديدة، في أول الدولة الأشرفية، وعمل على إتلافه بالكلية، وذلك بسعاية الوزير ابن السلعوس الدمشقي لأنه كان يصحب الأشرف قبل سلطنته، وكان قاضي القضاة، يقوم عليه لظلمه وحيفه وتكلم مع والده المنصور بسببه فمنعه السلطان من الاجتماع بولده مع ميله إليه. ولزم الاقامة بالشام فلما مات المنصور في السادس من ذي القعدة، سنة تسع وثمانين وستمائة، وهو في المخيم بمسجد التبن، بظاهر القاهرة على قصد فتح عكا من أيدي الفرنج تملك ولده الأشرف وكان ابن السلعوس في الحجاز، فأرسل إليه، الأشرف يعرفه بما اتفق، ويستدعيه للوزارة فاجتمع إذ ذاك بابن الجويني قاضي القضاة بالشام، وكان معه في الحجاز فعرفه الحال، وسأله أن يمضي معه إلى مصر قاضيا، فخاف غائلة ابن بنت الأعز فاعتذر إليه، وكان ابن جماعة نائبه بالقدس الشريف فعينه، فقال: إنه رجل عاقل يسوس الناس فلما عاد من الحجاز عمل على افساد صورة ابن بنت الأعز فنجاه الله منه، وآل الأمر الى عزله عن القضاء وتفويضه إلى ابن جماعة في أوائل سنة تسعين، فأقام المذكور معزولا بالقرافة بقاعة تدريس الشافعي، ثم حج سنة اثنتين وتسعين، فاتفق قتل الأشرف في ثالث المحرم سنة ثلاث قبل وصول الركب وتولى الناصر محمد وعمره تسع سنين، وقام بالنيابة عنه كتبغا، فقبض على الوزير المذكور وعوقب بالمقارع إلى أن مات، ونقل ابن جماعة إلى قضاء الشام، وأعيد ابن بنت الأعز الى حاله، فبقي بعد ذلك قليلا، وتوفي كهلا في سادس عشر جمادى الأولى سنة خمسين وتسعين وستمائة، وتولى بعده ابن دقيق العيد. ومن شعره:
ومن رام في الدنيا حياة خلية من الهم والأكدار رام محالا
وهاتيك دعوى قد تركت دليلهاعلى كل أبناء الزمان محالا
وكان لصدر الدين أخيه، ولد صالح، يقال له محيي الدين، تولى قضاء القضاة بالاسكندرية ثم عاد إلى القاهرة، وتولى نظر الخزانة، ومات في ثاني عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة.
138 - الكمال طه الاربلي
أبو محمد، طه بن إبراهيم بن أبي بكر الاربلي الملقب كمال الدين.
Page 79