فقال: إنما يقاس الشيء إلى شكله، أبو حنيفة فقيه تام الفقه، وسفيان رجل متفقه.
وقال ابن المبارك: رأيت مسعرًا في حلقة أبي حنيفة، جالسًا بين يديه، يسأله ويستفيد منه، وما رأيت أحدًا قط في الفقه أحسن من أبي حنيفة.
وعن إبراهيم بن هاشم، عن أبي داود، أنه قال: إذا أردت الآثار. أو قال: الحديث. وأحسبه قال: والورع، فسفيان، وإذا أردت تلك الدقائق، فأبو حنيفة.
وقال محمد بن بشر: كنت أختلف إلى أبي حنيفة، وإلى سفيان، فآتى أبا حنيفة فيقول لي: من أين جئت؟ فأقول: من عند سفيان.
فيقول: لقد جئت من عند رجل او أن علقمة والأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله.
فآتى سفيان، فيقول لي: من أين جئت؟ فأقول من عند أبي حنيفة.
فيقول: لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض.
وقال أبو نعيم: كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل.
وعن أبي عبد الله الكاتب، قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول: يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبي حنيفة في صلواتهم.
قال: وذكر حفظه عليهم السنن والفقه.
وقال شداد بن حكيم: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة.
وقال مكي بن إبراهيم: كان أبو حنيفة أعلم أهل زمانه.
وقال النضر بن شميل: كان الناس نيامًا عن الفقه، حتى أيقظهم أبو حنيفة؛ فيما فتقه وبينه ولخصه.
وحدث أحمد بن علي بن سعيد القاضي، قال سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.
قال يحيى بن معين: وكان يحيى بن سعيد يذهب في الفتوى إلى قول الكوفيين، ويختار من قولهم قوله، ويتبع رأيه من بين أصحابه.
وقال الإمام الشافعي: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه.
وقال أيضًا: ما رأيت أفقه من أبي حنيفة. يعني ما علمت.
وقال: كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه، ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي، ومن أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان.
وعن حرملة، أنه قال: سمعت الشافعي، يقول: الناس عيال على هؤلاء الخمسة.
وعن الحسن بن عثمان، أنه كان يقول: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة، علم أبي حنيفة، وتفسير الكلبي، ومغازي محمد بن إسحاق.
وعن أحمد بن عطية، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: القراءة عندي قراءة حَمزة، والفقه فقه أبي حنيفة، على هذا أدركت الناس.
" وعن أبي علي الجبابي المُعتزلي المشهور، أنه قال: الحديث لأحمد بن حنبل، والفقه لأصحاب أبي حنيفة، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة ".
وقال جعفر بن ربيع: أقمت على أبي حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطول صمتًا منه، فإذا سُئل عن شيء من الفقه تفتح وسال كالوادي، وسمعت له دويًا، وجهارة بالكلام.
وقال إبراهيم بن عكرمة المخزومي: ما رأيت أحدًا أورع، ولا أفقه من أبي حنيفة.
وعن علي بن عاصم، قال: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره، فقال للحجام: تتبع موضع البياض.
فقال الحجام: لا، فإنه يكثر.
قال: فتتبع مواضع السواد، لعله يكثر.
وبلغت هذه الحكاية شريكًا، فضحك، وقال: لو ترك قياسه لتركه مع الحجام.
وروى الخطيب في " تاريخه "، عن محمد بن فضيل الزاهد، قال: سمعت أبا مُطيع، يقول: مات رجل وأوصى إلى أبي حنيفة وهو غائب.
قال: فقدم أبو حنيفة، فارتفع إلى ابن شبرمة، وادعى الوصية، وأقام البينة، أن فلانًا مات وأوصى إليه.
فقال ابن شبرمة: يا أبا حنيفة، أحلف أن شهودك شهدوا بحق.
قال: ليس عليَّ يمينٌ.
قال: ضلت مقاييسك يا أبا حنيفة.
قال أبو حنيفة: بل " ضلت مقاييسك أنت "، ما تقول في أعمى شج، فشهد له شاهدان أن فلانًا شجه، هل على الأعمى يمين أن شهوده شهدوا بالحق، وهو لا يرى؟ " فانقطه ابن شبرمة ".
*وروى الخطيب أيضًا، عن النضر بن محمد، قال: دخل قتادة الكوفة، ونزل في دار أبي بُردة، فخرج يومًا، وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال قتادة: والله الذي لا إله إلا هو، ما يسألني اليوم أحدٌ عن الحلال والحرام إلا أجبته.
فقام إليه أبو حنيفة، فقال: يا أبا الخطاب، ما تقول في رجل غاب عن أهله أعوامًا، فظنت امرأته أن زوجها مات، فتزوجت، ثم رجع زوجها الأول، ما تقول في صداقها؟
1 / 29