وعن علي ابن المديني أنه قال: سمعت عبد الرزاق، يقول: كنت عند معمر، فأتاه ابن المبارك، فسمعنا معمرًا يقول: ما أعرف رجلًا يُحسن يتكلم في الفقه، أو يسعه أن يقيس ويشرح لمخلوق النجاة في الفقه، أحسن معرفة من أبي حنيفة، ولا أشفق على نفسه، أن يدخل في دين الله شيئًا من الشك من أبي حنيفة.
وعن عبد الله بن أبي جعفر الرازي قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحدًا أفقه من أبي حنيفة، وما رأيت أورع من أبي حنيفة.
وحدث سعيد بن منصور، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: كان أبو حنيفة رجلًا فقيهًا، معروفًا بالفقه، مشهورًا بالورع، واسع المال، معروفًا بالإفضال على كل من يضيف، صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام، حنى ترد مسألة في حلال أو حرام، وكان يُحسن يدل على الحق، هاربًا من مال السلطان، وكان إذا وردت مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، وإن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس فأحسن القياس.
وقال أبو يوسف: ما رأيت أحدًا أعلم بتفسير الحديث، ومواضع النكت التي فيه من الفقه، من أبي حنيفة.
وقال: ما خالفت أبا حنيفة في شيء قط، فتدبرته، إلا رأيت مَذهبه الذي ذهب إليه أنجى في الآخرة، وكنت ربما ملت إلى الحديث، وكان هو أبصر بالحديث الصحيح مني.
وقال: إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبوي، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول: إني لأدعو لحماد مع أبوي.
وقال الأعمش يومًا لأبي يوسف: كيف ترك صاحبك أبو حنيفة قول عبد الله: عتق الأمة طلاقها؟ قال: تركه لحديثك الذي حدثته عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أن بريرة حين اعتقت خُيرت.
قال الأعمش: إن أبا حنيفة لفطن. وأعجبه ما أخذ به أبو حنيفة.
وعن أبي بكر عياش، قال: مات عمر بن سعيد أخو سفيان، فأتيناه نعزيه، فإذا المجلس غاص بأهله، وفيهم عبد الله بن إدريس، إذا أقبل أبو حنيفة في جماعة معه، فلما رآه سفيان تحرك من مجلسه، ثم قام فاعتنقه، وأجلسه في موضعه، وقعد بين يديه.
قال أبو بكر: فاغتظت عليه.
وقال ابن إدريس: ألا ترى وَيحك؟؟؟؟؟؟؟؟؟! فجلسنا حتى تفرق الناس، فقلت لعبد الله بن إدريس: لا تقم حتى نعلم ما عنده في هذا.
فقلت: يا أبا عبد الله، رأيتك اليوم فعلت شيئًا أنكرته وأنكره أصحابنا عليك.
قال: ما هو؟ قلت: جاء أبو حنيفة، فقمت إليه، وأجلسته في مجلسك، وصنعت به صنيعًا بليغا، وهذا عند أصحابنا منكر.
فقال: وما أنكرث من ذلك! هذا رجل من العلم بمكان، فإن لم أقم لعلمه قمت لسنه، وإن لم أقم لسنه قمت لفقهه، وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه.
فأفحمني فلم يكن عندي جواب.
وعن محمد بن الفضل الزاهد البلخي قال: سمعت أبا مطيع الحكم بن عبد الله، يقول: ما رأيت صاحب حديث أفقه من سفيان الثوري، وكان أبو حنيفة أفقه منه.
وعن الحسن بن علي، أنه قال: سمعت يزيد بن هارون، وقد سأله إنسان، فقال: يا أبا خالد، من أفقه من رأيت؟ قال: أبو حنيفة.
قال الحسن: ولقد قلت لأبي عاصم - يعني النبيل - أبو حنيفة أفقه أو سفيان؟ قال: عبد أبي حنيفة أفقه من سفيان.
وسئل يزيد بن هارون، مرة أخرى، من أفقه أبو حنيفة أو سفيان؟ قال: سفيان أحفظ للحديث، وأبو حنيفة أفقه.
وقال أبو عاصم النبيل، وقد سئل أيضًا عنهما: غلام من غلمان أبي حنيفة أفقه من سفيان.
وقال سجادة: دخلت على يزيد بن هارون، أنا وأبو مسلم المُسلمي، وهو نازل ببغداد على المنصور، بن المهدي، فصعدنا إلى غرفة هو فيها، فقال له أبو مسلم: ما تقول يا أبا خالد في أبي حنيفة، والنظر في كتبه؟ قال: انظروا فيها إن كنتم تريدون أن تفقهوا؛ فإني ما رأيت أحدًا من الفقهاء يكره النظر في قوله، ولقد احتال الثوري في " كتاب الرهن " حتى نسخه.
وروى عن عبد الله بن المبارك، أنه قال: رأيت أعبد الناس؛ ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس، فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي رواد، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة، ما رايت في الفقه مثله.
وعنه أيضًا، أنه قال: إن كان الأثر قد عُرف واحتيج إلى الرأي، فرأي مالك، وسفيان، وأبي حنيفة، وأبو حنيفة أحسنهم، وأدقهم فطنة، وأغوصهم على الفقه، وهو أفقه الثلاثة.
وقال أبو عاصم النبيل، وقد سئل: أيهما أفقه؛ سفيان أو أبو حنيفة؟
1 / 28