Méditer, jour après jour
تأمل يوما بعد يوم: ٢٥ درسا للعيش بوعي كامل
Genres
هنري ثورو، «مذكرات (فبراير 1857)»
تمدد
يبدو الوعي الكامل كأنه امتداد لذواتنا؛ لأننا نمتص كل ما حولنا، نتشربه ونصير هو؛ كدائرة تتوسع حتى تحتوي كل شيء. نحن في مركز هذا العالم، لكنه بقي عالما غير واضح الحدود، وبدت حدوده كلها مثيرة للخوف.
يبدو أن الحال لم يتغير؛ فقد بدأت تمريني شاعرا بالضيق، ومنكمشا حول أفكار، أو انفعالات، أو آلام عميقة، فقمت بالتوقف للحظة، وجلست وأغمضت عيني. هناك الآن طنين في الأذنين؛ انزعاج، ارتباك، فوضى، تشتت. كل هذا الجهد للوصول إلى هنا؟ سأوقف التمرين؟ لا سأكمل. وأكمل تمريني، لكنني لا أصل إلى شيء. لا أستطيع أن أغير ما أشعر به الآن، لا أستطيع أن أمنع شيئا أو أحمي نفسي مما هو موجود الآن. كل هذا، ربما، بل بالتأكيد، له سبب وجيه لبقائه. إذن علي أن أفتح ذاتي، أن أوسعها، أن أدعو وأطلب من ضيوف آخرين ليحضروا في وعيي، فلا أبقى وحيدا في هذه الفوضى العارمة، ولكن يجب أن أسمح لها بالوجود أيضا. يجب أن أتنفس، وأعي تنفسي.
توجد أصوات حولي. يجب أن أعيها، وأعي كل جزء صغير من جسدي. علي أن أبدأ بالشعور بأن الضيق بدأ ينفك عني، وأشعر أنني أستطيع أن أفتح عيني، كي أتأمل الجدار، الأشياء، السماء. وأمتص كل ما يمر. وأجد أن الفوضى، والضيق، والأحاسيس غير المريحة لا تزال هنا، وكذلك كل الإزعاجات الخارجية التي سببتها؛ لكن تبدو كلها أصغر حجما، وأقل أهمية. وأستمر بابتلاع كل ما حولي، مثل العملاقين جارجانتوا وبانتاجرويل؛ غول نفسي يبتلع ببطء العالم والواقع ، وكلما التهمت شعرت أنني أكثر هدوءا. ولكن بعد فترة وجيزة يحضرني سؤال ما: من يبتلع من؟
انحلال
كثيرا ما نختبر في التأمل بالوعي الكامل أحاسيس تتكرر في تمارينه، إنها تلك المتعلقة بانهدام الحواجز بيننا وبين الخارج؛ إنها أحاسيس بالاندماج مع ما يحيط بنا، بانتشار العالم في دواخلنا. هل هذا الشعور يثير الخوف؟ بالعكس، إنه شعور مريح ومطمئن لأننا ندرك إلى أي حد يكون الانعزال مع الأنا في النهاية خيارا سيئا.
تذكروا عندما ذكرنا كيف تطرح البوذية في لغتها التصويرية والشعرية ما يسمى «النظرة العميقة»، التي تساعدنا على إدراك الطبيعة الحقيقية للظواهر، وخاصة «فراغها»؛ إننا كأقواس قزح؛ نوجد، ونتحلل، ونتشكل من جديد.
يأتيني هذا الشعور خصوصا عندما نقوم بجلسات تأمل في حديقة مستشفى سانت-آن عندما يكون الجو لطيفا. نخرج من القسم، لنجد أنفسنا فورا واقفين على العشب بأقدام عارية، مغمورين بالضجة البعيدة لباريس التي تصل إلينا من وراء الجدران العالية للمستشفى، وفي مسبح الضجة هذا الذي لم نعد نميز فيه أي حدود. إنه تمرين التمدد، والحضور الكثيف، دون الأنا. إنه يشبه الخروج من الذات، دون أن يكون ذلك موتا. إننا لا نشعر أننا متنا، ولكننا بالعكس أحياء بكثافة. ولا نشعر أننا سنختفي، وإنما على العكس ننتشر في كل شيء حولنا، ويصير وجودنا جليا. نشعر كأننا «مثل السنابل التي تنمو أو المطر الذي يسقط»، وذلك بحسب كلمات إتي هيليسم.
اهجر كل شيء. اهجر كل ما تعرفه، اهجر، اهجر. ولا تخف من أن تبقى دون أي شيء؛ لأنه في النهاية سيكون هذا اللاشيء بقربك ...
Page inconnue