La boîte du monde
صندوق الدنيا
Genres
فتماسكت بجهد وسألته بدوري: «ثقيلا مثل من؟»
قال: «لا أعني مثل أحد ولكنه سؤال، فهل أخطأت فيه؟»
قلت: «كلا، ولم يكن أبي ثقيلا فيما أذكر، وعلى أنه لم تتح له معي فرصة كبيرة لذلك، فقد مات وأنا صغير.» •••
وهنا رأيت أن الأحزم أن نعود مخافة أن يسترسل في مثل هذه الأسئلة المحرجة، التي جرها علي التبسط معه في هذا الموضوع. والأطفال - كما يعرف ذلك من كابدهم - لا يستطيع المرء أن يتكهن بما يجري في رءوسهم أو يعرف ماذا يتوقع منهم، فإن لهم وثبات غير مأمونة.
فنهضت وطلبت منه أن يفكر في الموضوع، وبينما كنا عائدين سألني فجأة: «وأنت يا بابا هل نضعك مع الكبار أم مع الصغار؟»
فدفعت الباب ولم أحر نطقا.
الحقائق البارزة في حياتي
تمهيد: حدث منذ عامين، أو نحو ذلك ... أن حرمت الجريدة التي كنت أتولى رياسة التحرير فيها، حقا، ولا داعي هنا لبيان الموضوع فقد مضى أوانه، وليس هذا على كل حال محله، فكتبت على أثر ذلك مقالا قويا - أو لعل الأصح أن أقول: إنه عنيف - نقلته صحيفة فرنسية بفصه ونصه، وبعد يوم وجدت على مكتبي بطاقة «دكتور» يراسل صحيفة نمسوية وكلاما في ظهر البطاقة حسبته في أول الأمر ألمانيا، ثم قيل لي إنه فرنسي، ثم تبين أنه إنجليزي، فاقتنعت ولم أواصل البحث مخافة أن يتضح أنه عربي وأوجز فأقول: إني استقبلت الزميل الفاضل في مكتبي في الساعة التي اتفقنا عليها تليفونيا. ولم يتجاوز الفرق بين ما فهمته أنا وما فهمه هو أربع ساعات لا أكثر، فكنت أنا جالسا أمام مكتبي في الساعة الثالثة مساء ووافاني هو في الساعة السابعة مقدما بين يديه اعتذاره من حضوره قبل الموعد بنصف ساعة، ودار الحديث بيننا فأفضيت إليه بجواب ما أعتقد مخلصا أنه سألني عنه، وبإيضاح ما أشكل عليه فهمه من موضوع الخلاف السياسي ومواقف الأحزاب في ذلك الوقت وما إلى ذلك مما يتصل به من قريب أو بعيد، واعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد ولم يخالجني شك في أن الله أرحم من أن يبلوني بحديث آخر.
ولكن المقادير جرت - لسوء الحظ أو لحسنه - بغير ذلك، فعاد الدكتور الفاضل يرجو مني شيئا آخر لا أقل من أن أتفضل عليه بترجمتي أو تاريخ حياتي، وكان الدكتور أظرف وأكبر من أن أرفض له طلبا، ولكن تاريخ حياتي! ... تصور هذا؟ فأحلته أولا على ترجمة كنت قد كتبتها منذ سنوات تمهيدا لمختارات من شعري، وقد نشر ذلك كله في كتاب «شعراء العصر»، ولكنه اعتذر وقال إنه فهم من كلامي أن الترجمة مكتوبة باللغة العربية وأن الكتاب مطبوع في سوريا، ووقته أضيق من أن يسمح له بالسفر إلى ذلك القطر وإن كان لا شك عنده في أنه لو تيسر له السفر لألفى الترجمة التي أشير إليها وافية بالغرض، ثم تفضل فذكر لي أنه علم من بعض من اتصلت أسبابه بأسبابهم من المصريين أني من رجال المدرسة الحديثة في الأدب، وأن هذا هو الباعث له على الإلحاح علي في الرجاء أن أوافيه بترجمتي، فسرني هذا ورأيت فيه فرصة لانتشار اسمي إلى ما وراء مصر واستفاضة ذكري على ألسنة الغربيين. وتوقعت بعد أن أجيبه إلى سؤاله أن يتقدم إلي واحد أو اثنان أو ثلاثة من ناشري الكتب في أوروبا يطلبون السماح لهم بترجمة كتبي وإذاعتها في العالم الغربي، فلا يعود المازني بعد محتاجا إلى وظيفة ثقيلة مضنية كرياسة التحرير في صحيفة يومية. ففركت يدي مغتبطا وقلت له: إني طوع أمره ورهن مشيئته، ولكن بي حاجة إلى يوم أو يومين أجمع فيهما الحقائق البارزة وأحضرها إلى ذهني استعدادا للإجابة، وفي اليوم المعين تلاقينا فدار بيننا الحديث الآتي:
هو :
Page inconnue