La Sufisme : Ses Origines et Son Histoire
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
ومنذ وقت مبكر في عهد السعديين، تجلت الأهمية التي أولوها للصوفيين في التبجيل الذي أولاه مؤسس الدولة السعدية محمد القائم بأمر الله (الذي حكم من عام 1509 إلى عام 1517) للجزولي نفسه؛ الذي بلغ به الأمر أن طلب أن يدفن بجواره؛ وأدى هذا إلى قيام أحمد الأعرج (الذي حكم من عام 1517 إلى عام 1544) خليفة القائم بأمر الله باستخراج جسد الجزولي بعد وفاته وإعادة دفنه في ضريح شيد خصوصا في مراكش عاصمة السعديين، جنبا إلى جنب مع مؤسس الدولة السعدية ، في رمز واضح لاتحادهما.
وتضمن صعود السعديين إلى السلطة أيضا الصراع من أجل السيطرة على الحدود الجنوبية شبه الإسلامية التي يسكنها قبائل البربر وتمر بها طرق القوافل المزدهرة. وهنا أيضا لعبت المساكن الصوفية الريفية دورا مهما في زعم انتماء المنطقة للإسلام؛ ومن ثم أحقية السعديين في حكمها بصفتهم من سلالة النبي محمد.
99
وعلى غرار الأراضي الزراعية الغنية في آسيا الوسطى، فإن هذه المزاعم شجعت محاولات إضفاء المركزية على فرع الجزولي من الطريقة الشاذلية، فطالب عبد الله الغزواني (المتوفى عام 1529) خليفة الجزولي بعقد اجتماعات في الجنوب القبلي لتوحيد قادة المساكن الجزولية المختلفة وراء الأسرة السعدية.
100
ولم يقتصر دور المراكز التعليمية الكثيرة، التي أسسها أتباع الجزولي في الريف والمدن على حد سواء، على نشر القراءة والكتابة من خلال الأهمية التي أولتها لدراسة القرآن والفقه، بل منحت أيضا أتباع الجزولي المؤهلات التي مكنتهم من الالتحاق بالبيروقراطية السعدية على نحو مناظر لمكانة الصوفيين المتعلمين في البيروقراطية العثمانية.
101
على الرغم من ذلك، وكما شهدنا في بيئات أخرى في الفترة نفسها، فإن المشاركة في البلاط الملكي لها مخاطرها؛ فعلى نحو مشابه لمصير الصوفيين الصفويين وأتباعهم القزلباش في إيران، رأى الحكام السعديون عام 1550 تقريبا أن مزاعم السلطة التي يزعمها الجزوليون تمثل تهديدات أكثر مما تحمله من فوائد؛ ومن ثم تحركوا لاضطهاد شركائهم الصوفيين السابقين.
على الرغم من ذلك، فإن سلطة الصوفيين العاملين في الدولة الآخذة في التوسع هذه، تحققت ليس فقط في البيئات الحضرية في «بلاد المخزن» المغربية (أي المناطق الخاضعة للدولة)، بل تحققت أيضا من خلال تأسيس مساكن صوفية ريفية بين قبائل البربر في «بلاد السيبة» الحدودية (أي المناطق التي لم تكن للدولة سيطرة كبيرة عليها). وكما هو الحال مع المناطق الأخرى التي تناولناها، فقد ازداد نفوذ الصوفيين الريفيين من خلال الممتلكات الزراعية التي سيطر عليها الصوفيون. ووسط ترك الأراضي الزراعية والمجاعات اللاحقة التي صاحبت حروب القرنين الخامس عشر والسادس عشر، قدم ملاك الأراضي الصوفيون هؤلاء العمل والمساعدة المادية للفلاحين والقبليين المهجرين. وفي هذه الأثناء، أعادوا زراعة الأراضي المتروكة، التي لم تكن مزروعة في السابق، وكانت هذه التطورات مشابهة لدور النقشبنديين في المناطق القبلية والزراعية المضطربة في آسيا الوسطى في الوقت نفسه، التي جعلت الصوفيين قادة لما بلغ منزلة الإقطاعيات الحدودية الصوفية الزراعية.
102
Page inconnue