La Sufisme : Ses Origines et Son Histoire
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
بناء على زعم الصوفيين بأنهم ورثة النبي محمد، وبمرور الوقت، طوروا تدريجيا أسس تقليدهم من خلال أنساب الأولياء والشيوخ الذين كانت لموافقتهم سلطة تكميلية في حد ذاتها. وكما سنرى في الفصل الأول؛ ففي القرون الأولى من التاريخ الصوفي، تضمن هذا التطوير للتقليد في بعض الحالات زعما بأثر رجعي يقول إن الأسلاف الصالحين الذين عاشوا قبل استخدام مصطلح «صوفي» كانوا صوفيين. إن التركيز في هذا الكتاب على كون الصوفية تقليدا أكثر منها تصوفا، لا يعني إنكار أن كثيرا من الصوفيين مروا بتجارب تصوفية أولوها قيمة بالغة فيما بعد، بل إن الهدف هو توضيح أن هذه التجارب الخاصة اكتسبت معنى ومصداقية فقط من خلال استيعابها في السعي الجمعي والتعاوني لأجيال مختلفة من المسلمين، الذين كان كل منهم - على مر الزمان - على وعي كبير بالطبيعة النموذجية لأفعال وتعاليم غيره من الصوفيين. إن هذا الإدراك التاريخي للتجربة التصوفية لا يهدف إلى التقليل منها، بل يهدف إلى وضعها في إطار الطبيعة الزمنية للوجود البشري. في هذا الصدد، أتفق بوجه عام مع ستيفن تي كاتس الذي كتب يقول: «الروايات التصوفية لا توضح فحسب الوصف ما بعد الحضوري لتجربة غير قابلة للرواية باللغة المتاحة، بل إن هذه التجارب نفسها صاغتها على نحو لا مفر منه تأثيرات لغوية سابقة، لدرجة أن التجربة المعاشة تتفق مع نسق سابق الوجود تم تعلمه، ثم قصده، ثم تحققه في الواقع التجريبي للمتصوف.»
14
وكما توضح مئات الكتابات الصوفية، وبالرغم من التركيز الكبير على التجربة الفردية العفوية في نموذج تصوف القرن العشرين، فإن الصوفيين لطالما كانوا على قدر بالغ من الوعي بالروابط الخطابية التي تربطهم بأسلافهم، وهذا الوعي بالتقليد هو الذي جعلهم «مسلمين» صوفيين بدلا من كونهم روادا جذابين أو مؤسسين لأديان جديدة. وهكذا، فإن هذا الوعي الذاتي للصوفيين بأنهم أعضاء في مجتمع أكبر، يتكرر عبر الزمان من خلال موافقة الشيوخ السابقين الموثوق فيهم؛ هو ما جعلهم أعضاء في تقليد ومحافظين على استمراريته. والسبب في ذلك كما يقول عالم الاجتماع إدوارد شيلز هو أن التقليد ليس فقط «ما ينقل أو يتوارث من الماضي»، لكنه أيضا «كل ما له نماذج تمثيلية أو حراس.»
15
بالمثل، وكما هو الحال مع نماذج القدوة المقدمة من قبل أولياء الصوفية في الأزمان الماضية، الذين ما زالوا في الذاكرة، فإن «هناك سمة معيارية كامنة في أي تقليد اعتقادي مطروح للقبول.»
16
على النقيض من نموذج التصوف القديم للأفراد المنعزلين الهامشيين، فإن نموذج التقليد الجمعي القوي مفيد في فهم التاريخ الصوفي من عدة نواح؛ أولا: أنه يدرك أهمية دور السلطات الخارجية والماضية للأطراف الثلاثة في إعطاء قيمة كبيرة للتجارب والقرارات والتعاليم والكتابات الفردية. ثانيا: أنه يدرك أبعاد الصوفية الكثيرة غير العفوية والسلطوية والمناهضة للفردية في بعض الأحيان. ثالثا: أنه يناسب أغراض الدراسة التاريخية؛ لأنه على النقيض من انعدام القيمة الزمنية الذي يصاحب التركيز «الآني» الشديد للتصوف، فإن نموذج التقليد يوضح كيف أن متلقي التقليد يمتلكون وعيا ذاتيا تاريخيا خاصا بهم كأفراد يعيشون في علاقة مستمرة (إن لم تكن مفسرة ومبتكرة غالبا) مع ماضيهم. رابعا وأخيرا: أنه يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة التراكمية للصوفية خلال ظهورها التدريجي كمنتج ثقافي متعدد الأجيال ظهر في نهاية الأمر؛ ومن ثم فإنه يفسح مجالا أمام التطوير والتنوع. بالإشارة إلى هذه الدينامية التي يغطيها غالبا التماسك الظاهري للتقليد، يصف شيلز كيف أنه «من المحتمل أن يمر التقليد بتغيرات كبيرة جدا، ومع ذلك، قد يرى المتلقون أنه لم يتغير على نحو كبير.»
17
إن هذه الاستمرارية القائمة على النظر للماضي فيما يتعلق بالتعاليم التي يعتقد الصوفيون أنها ميراث النبي محمد لورثته الصالحين؛ هي ما جعلتنا نعرف الصوفية باعتبارها تقليدا وفقا للمعايير التي حددها إدوارد شيلز. (2) من الهامشية إلى القوة: تحديد سياق الصوفية
بعد تناول مسألة التقليد كمفهوم ومحتوى، يجب أن نلتفت الآن إلى التركيز السياقي لهذا الكتاب، الذي يقدم الصوفيين باعتبارهم لاعبين اجتماعيين مؤثرين وأقوياء، وليس باعتبارهم معارضين للحياة الاجتماعية؛ ومن ثم يعيشون على الهامش في المجتمع. وكما هو الحال مع تحول تركيز الكتاب من التصوف إلى التقليد، فعند تركيز الكتاب على قوة الصوفيين بدلا من هامشيتهم، فإننا نتناول مسألة إعادة التأكيد بدلا من مسألة الرفض. فعلى الرغم من أنه بالتأكيد كان يوجد الكثير من الصوفيين الهامشيين (والخارجين كذلك عن الأعراف على نحو كامل)، فإن الفكرة المقدمة في هذا الكتاب هي أنه بفضل الأتباع الأقوياء للصوفية وليس الهامشيين، تمكنت من ترك بصمة قوية جدا في المجتمعات التي انتشرت في ربوعها. ونتيجة للعمليات التاريخية والاستراتيجيات الجمعية الموضحة في الفصول التالية، فإن هذا الاكتساب للقوة كان تدريجيا بالتأكيد. إلا أنه بحلول فترتي العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، كان هذا الاكتساب حقيقيا على نحو كاف؛ بحيث يسمح لنا بالحديث عن «مؤسسة» صوفية اجتماعية ودينية في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي. وعلى الرغم من وجود الكثير من الصوفيين الهامشيين والمنحرفين الذين عاشوا في هذه الفترة، فإن المؤسسة الصوفية حققت مكانتها وحافظت عليها بنجاح أفرادها في تقديم أنفسهم باعتبارهم مجسدين للإسلام الحنيف الذي جاء به النبي محمد، وبالتأكيد باعتبارهم ورثته الأحياء. وحتى في حالة ازدهار المجموعات الصوفية الرافضة للأعراف المجتمعية والهامشية اجتماعيا (كما في حالة الحركة «القلندرية» التي ظهرت في فترة العصور الوسطى)، فإنه من المنصف على الأرجح القول بأن قدرتهم على الإفلات من العقاب على انتهاكهم للأعراف الاجتماعية، كانت في حد ذاتها انعكاسا لما حظيت به الصوفية من قوة ومكانة في وقت هذه المجموعات.
Page inconnue