La Sufisme : Ses Origines et Son Histoire
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
وعلى نحو ينطوي على مفارقة نسبيا، فإنه في الفترة التي حاولت فيها الدولة العثمانية ترويج إسلام موحد ومسالم إلى حد كبير، ضمنت هذه السياسة انتشار وتخليد كثير من سمات إسلام القبائل اللاسلطوي القديم، عن طريق المساكن البكتاشية التي أنشئت في كل مدينة في الإمبراطورية العثمانية. أما على صعيد الإطار الأوسع للتاريخ الصوفي، فقد أدى تدخل الدولة العثمانية المركزية في الشئون الصوفية إلى تحول الطريقة البكتاشية من مزيج متنوع من القبلية والتقليد إلى منظمة ذات تقليد تتسم بقدر أكبر من البيروقراطية، وسيتكرر هذا النسق من القرن السادس عشر فصاعدا في محاولات فرض التنظيم والبيروقراطية التي سوف تنتهجها الدولة العثمانية مع الطرق الصوفية البارزة الأخرى في أراضيها.
شكل 3-1: ولي وإمبراطور إيراني: ضريح صفي الدين في أردبيل (تصوير: نايل جرين).
لم تكن محاولات السيطرة هذه على سلطة واستقلال الصوفيين القبليين ببساطة جزءا من مسار محدد لبناء الدولة، وقد شكلتها على نحو كبير أحداث الفترة. وعلى الرغم من أن القرن الخامس عشر شهد قيادة الصوفيين القبليين لحملات عسكرية كثيرة ناجحة لتوسيع نطاق الدولة العثمانية، فقد شهد أيضا محاولات تمرد منهم (تعد محاولة الشيخ بدر الدين التي قام بها عام 1416 الأبرز من بينها)، ومع مرور القرن أصبحت محاولات التمرد تلك أكثر تكرارا.
33
وكان الحراك المكاني والحماس الديني اللاسلطوي لهذه الحركات يعني أن إمكانية مقاومتهم لأهداف الإمبراطورية تساوي إمكانية مساعدتهم في تحقيقها، بل إنه في عام 1493 حاول أحد الصوفيين المنتسبين للطريقة الحيدرية الخارجة عن الأعراف أن يغتال الإمبراطور بايزيد الثاني.
34
وكان التوتر بين الصوفية القبلية والصوفية المستقرة انعكاسا للعناصر المتعددة لمجتمع غير متجانس يضم جماعات مختلفة من البدو والحضر. وفي مثل هذه السياقات، كانت الطرق الصوفية أدوات مهمة للترابط الاجتماعي والتفاعل بين الجماعات المختلفة؛ ولهذا السبب كانت الحكومة المركزية ترى فكرة تعيين قادة صوفيين، ودعم هياكل تنظيمية أكثر تماسكا للطرق التي يقودها هؤلاء الصوفيون، جذابة على نحو واضح. وحتى إذا ظلت هذه المحاولات جزئية وغير كاملة، فإنها على مدار القرن السادس عشر والقرن السابع عشر جعلت الطرق ترتبط بعلاقات وطيدة أكثر مع الدولة العثمانية، حتى إن لم تتصف هذه العلاقات مطلقا بالولاء التام. (4) إيران: الإمبراطورية الصفوية المبكرة
لم تكن أقدار الصوفية داخل الأراضي العثمانية انعكاسا للشئون الداخلية فحسب، بل شكلتها أيضا الحاجة إلى الرد على التطورات الواقعة في المناطق المجاورة. في هذا الصدد وفي غيره، لم يوجد حدث في فترة أوائل العصر الحديث أكثر أهمية من الغزو السريع لإيران، على يد جماعة صوفية قبلية نشأت في الحدود الشرقية الجبلية للحكم العثماني؛ ففي عام 1501، غزا مراهق أصبح شيخا صوفيا بالوراثة مدينة تبريز الإيرانية بمساعدة جيش من أتباعه القبليين، وعلى مدار العقد التالي، غزا بقية إيران ليضع أسس إمبراطورية ستمتد في أوج اتساعها من شرق الأناضول إلى حدود الهند. وحملت الإمبراطورية الحاكمة التي أسسها المراهق إسماعيل الصفوي (1487-1524) حتى انهيارها عام 1722 اسم أسرته الصوفية الصفوية.
اكتسبت الأسرة والطريقة الصفوية أتباعها في الأساس من قبائل المناطق المحيطة بضريح مؤسس الطريقة، الشيخ صفي الدين (المتوفى عام 1334)، الموجودة في المرتفعات بشمال غرب إيران حاليا، على الرغم من أن ثروتها ومكانتها اعتمدتا أيضا على ما تمتلكه من أراض، وعلى أتباعها أصحاب النفوذ من أبناء الحضر، إلا أن أتباع الصفوية من القبليين كانوا الأكثر تأثيرا في ظهور الدولة الصفوية. وعلى غرار الحركات الصوفية القبلية الأخرى؛ ففي القرن الخامس عشر اكتسب جنيد وحيدر حفيدا الشيخ صفي الدين عددا متزايدا من الأتباع التركمان القبليين، الذين سخروا طاقاتهم في الغزو المصحوب بمباركة دينية، الذي رأينا أنه كان أيضا سمة الحدود العثمانية في الفترة نفسها.
35
Page inconnue