La Sufisme : Ses Origines et Son Histoire
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
فيما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر، اخترقت الطرق الصوفية مجتمعات بعيدة؛ مثل إسبانيا وموريتانيا في الغرب، والبنغال وتركستان في الشرق، مع تركزها الشديد في المناطق الوسطى التجارية الثرية في مصر وسوريا .
58
وفي المناطق الكثيرة التي ازدهرت فيها تلك الطرق، قادتها الظروف المحلية إلى تبني طرق وأساليب متنوعة؛ مثل طرق وأساليب الخواجكانية النقشبندية والجشتية. إلا أن كل طريقة تشاركت في السمات الأساسية نفسها التي وصفناها، المتمثلة في آليات التناسخ والتوحيد التي مكنتها من الاستمرار والتوسع، مع الحفاظ على الاتساق ذي المعنى الذي تعتز به باعتبارها تقليدا خاصا بها. وعلى الرغم من الاختلاف الشديد لتاريخ كل طريقة، فمن الممكن القول إنه في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والخامس عشر أدت عملية تكوين الطرق المتعددة الأجيال إلى نسق عام من التنظيم الأكبر والأكثر مركزية بحلول القرن الخامس عشر، يفوق ما كان موجودا في القرون الأربعة السابقة عليه. في الفصل التالي، سوف نعاود الالتفات إلى الطرق الصوفية؛ لنرى كيف استجابت للتطور المتمثل في المجتمعات الأكثر تنظيما ومركزية في ظل إمبراطوريات فترة أوائل العصر الحديث التي غزت معظم العالم الإسلامي بعد القرن السادس عشر. أما الآن، فلا بد أن نلتفت إلى ثاني أكبر عملية ميزت فترة العصور الوسطى بعد تنظيم الطرق، وهي عملية تبجيل الشيوخ الصوفيين باعتبارهم أولياء. (4) تقديس الأولياء
كان شائعا في السابق أن يناقش المؤرخون تطور الفكر الصوفي، والطرق والمساكن الصوفية التي نما من خلالها، دون الإشارة إلى تحول الصوفيين البارزين إلى أولياء. في الواقع، كانت هذه العملية تعتبر في وقت ما عملية منفصلة تماما تنتمي لفترة تدهور لاحقة، تحول فيها «التصوف» إلى «دجل».
59
لكن نتيجة لأبحاث جديدة أجريت على مدار العقود القليلة المنصرمة، فإنه من الواضح أن القول بالتدهور لا يناسب الحقائق كما تظهر حاليا. فكما رأينا في الفصل الأول، ومن حيث النسيج العقائدي للفكر الصوفي، كانت فكرة كون صوفيين بعينهم «أولياء» لله - وهي علاقة مقدرة سلفا على الأرجح، وتمنح بالتأكيد معرفة وقدرات خاصة - مثار جدل منذ الفترة المبكرة، وفي بعض الأحيان كان يحتدم الجدل القائل بوجود خطر كبير بالفعل في اكتساب هذه المكانة في هذه الفترة المبكرة.
60
وقد كتبت شخصية مثل الجنيد البغدادي الذي يتسم بالصحو والمحافظة عن نظرية الولاية، وسيكون من الأفضل ملاحظة أن الجنيد، من بين كل الصوفيين الأوائل، كان الشخصية الأكثر دمجا في سلاسل الأسلاف التي تكونت لاحقا على يد الطرق.
61
أما من ناحية النسيج المؤسسي للطرق، فقد كانت فكرة الولي محورية للطرق باعتبارها كيانات مفاهيمية ومادية؛ من خلال تبجيل الشيوخ السابقين لسلاسلها، وتشييد الأضرحة في وسط المساكن الصوفية.
Page inconnue