La Sufisme : Ses Origines et Son Histoire
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Genres
17
إذا كانت المقاومة المباشرة أو غير المباشرة أحد جوانب الصورة في الهند، فإن التعاون كان الجانب الآخر؛ ففي منطقة متعددة الأديان كانت فيها العائلات الصوفية المتوارثة، التي ترعى أضرحة أسلافها الأولياء، تتلقى بسعادة الرعاية من الحكام الهندوس والسيخ، فإنه قبل ظهور الوعي القومي الهندي الجديد منذ بداية القرن العشرين لم يكن يوجد شيء استثنائي في استعداد تلك العائلات لتلقي الرعاية المباشرة أو الحماية المباشرة لمصالحها من البريطانيين المسيحيين.
18
ونظرا لأن كل الدول الاستعمارية بحثت عن وسطاء محليين متمتعين بالنفوذ ليكونوا وسيلة لبسط سلطتها على الشعوب، بدت عائلات الأضرحة الصوفية المتوارثة في شمال الهند بصفة خاصة مرشحا مثاليا، وعن طريق ممارسة البيعة المميزة للصوفية، حصلت تلك العائلات الصوفية المتوارثة على ولاء آلاف الأشخاص؛ نظرا لأن عائلات بأكملها جعلت تلك البيعة جزءا من نسيج ممارسة الأسلاف. وفي حالات كثيرة، عزز روابط الولاء تلك أن العديد من الشيوخ الصوفيين كانوا أيضا يتحكمون في أقوات كثير من أتباعهم؛ حيث كان هؤلاء الأتباع موظفين في ممتلكاتهم الزراعية؛ ففي أواخر القرن التاسع عشر، كان ضريح بابا فريد كنج شكر الشيخ الجشتي، الذي يعود لفترة القرون الوسطى في باكباتان في البنجاب، يسيطر على ما لا يقل عن 43 ألف فدان من الأراضي في منطقة واحدة فقط؛
19
ومن ثم، فإن حاجة هؤلاء الصوفيين الملحة إلى الحفاظ على الأراضي المملوكة لهم، عن طريق استمرار اعتراف الدولة بشرعيتهم، جعلتهم يحتاجون إلى البريطانيين قدر احتياج البريطانيين لهم. ثبت أن هذه الشراكة ممتازة لكلا الطرفين (وإن لم تكن كذلك بالضرورة للفلاحين الموجودين في الخلفية). ومع مرور الوقت، وصل الأمر بهذا التحالف إلى تعيين الصوفيين المتوارثين في المجالس الإقليمية الاستعمارية، وتعليم ورثة الصوفيين في أرفع المعاهد وكليات الحقوق الاستعمارية، ودخولهم إلى السياسة الحزبية الحديثة عندما التحق كثير من العائلات الصوفية بالحزب الاتحادي الداعم للحكم البريطاني.
20
وعلى غرار الدول الإسلامية السابقة، في هذه التحالفات فضلت الإمبراطورية البريطانية في الهند نوعا معينا من الصوفيين، وكانت توجد مواصفات معينة لأنواع الصوفيين الذين ستشجعهم الإمبراطورية من أجل الوصول إلى العوام المزارعين في البنجاب، أو الحفاظ على الروح المعنوية للجندي المسلم في جيش الاستعمار، وهذه المواصفات هي أن يكونوا متسمين بالصحو، بالإضافة إلى إمكانية توقع تصرفاتهم، وكذلك اعتمادهم على المعرفة المأخوذة عن الكتب الصوفية.
21
وإذا كانت الصوفية المرتكزة على الأضرحة تمثل تدهورا متدنيا من عصر ذهبي مثالي للتصوف الحقيقي بالنسبة إلى كثير من المعلقين الاستعماريين (وبالنسبة إلى المصلحين المسلمين الذين حذوا حذوهم)، فإن حقيقة الأمر تمثلت في أن الأضرحة والأراضي المملوكة كانت الأسس المؤسسية الأساسية اللازمة لنقل التقليد الصوفي؛
Page inconnue