Soudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن جعل الاستقامة طريقا للسلامة، وشكرا لمن وفق ذوي البصائر إلى الوقوف على قدم الصدق فصاروا من أهل الكرامة، وخص أهل عنايته بأنوار هدايته فاستسلموا لقضائه، واستراحوا من الوقوع في هاوية الندامة، وحض على طاعة أولي الأمر بقوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
لانتظام الحال والسلامة في يوم القيامة، وصلاة وسلاما على قطب دائرة الأصل النوراني ومنبع النبض الرحماني وأشرف النوع الإنساني ومعدن السر الرباني؛ سيدنا محمد الذي قصم بسيف الحق ظهر الخلاف، ومكن حسام الشرع من رقاب أهل الانحراف، وعلى آله وأصحابه الذين قوي في الله يقينهم فآمنوا بالغيب فانكشفت غياهب الشك عن بصائرهم فازدادوا إيمانا وتمكن دينهم.
وبعد، فإن الخليفة محمد شريف حامد قد بارز خليفة المهدي عليه السلام بالعداوة والعصيان والخلاف حتى تظاهر بالحرابة له، وشهر السلاح عليه، ولم يأل بإدخال الخلل في الدين وشق عصا المسلمين. فبعد هذا كله اجتمع جماعة المسلمين، وأحضروه بين أيديهم، وحلفوه على كتاب الله تعالى فحلف وعاهد على ألا يعود إلى مثل ما صدر منه، ثم جاء خليفة المهدي عليه السلام نادما على شنيع فعله فقبله مع ما ارتكبه من عظيم الذنب والخطيئة... وعفا عنه وقابله بالصفح والإكرام. ثم نقض العهد وعاد إلى الخلاف وإضمار السوء والإصرار على عدم الامتثال، فضلا عن كونه تاركا الجمعة والجماعة. فعند ذلك اجتمع أصحاب المهدي عليه السلام من قضاة الشرع الشريف وأمراء وعمد وأعيان وسألوه عن ذلك، فقابلهم بأقبح المقال، وتفوه بما يؤدي إلى سوء الحال، حتى قال: إن الغوث معه وفي حزبه وإن نصرة المهدية تحت قدمه، وإن الصحابة اعترضوا على النبي
صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك من سوء المقال. وما زالوا يراجعونه بالقول اللين الحسن، وتلوا عليه منشور المهدي عليه السلام في خليفته والمنشور الذي وجهه إليه خاصة أوامره فيه باتباع خليفته وعدم خروجه عن أوامره فعند ذلك أظهر التوبة والندم؛ فنظرا لما حصل منه من نقض العهد وعدم استمراره على التوبة السابقة اقتضى نظر أصحاب المهدي عليه السلام طبق الوجه الشرعي وضعه بالسجن تأديبا له، ولولا إظهاره التوبة عما حصل منه لكان جزاؤه أعظم من السجن، وقد ثبت جميع ذلك لدى أصحاب المهدي عليه السلام الآتي ذكر أسمائهم وأختامهم فيه أدناه، وجميعهم شهدوا عليه شهادة حق يؤدونها بين يدي أحكم الحاكمين والسلام.
سنة 1309ه (3) القضاء الشرعي في الحكومة الحاضرة
يختلف القضاء في هذا العهد عن سابقيه بالنظام التام وبالدقة في تحري الصواب في الأحكام وإزالة الخطأ، متى علم سواء طعن في الحكم أم لم يطعن فإن طعن فيه من أحد الخصوم وظهر خطؤه ألغي وأعيدت القضية لمحكمتها للفصل فيها بالطريق الشرعي، وإن كانت القضية صالحة للحكم حكم فيها بما يقتضيه المنهج الشرعي، وإن لم يطعن أحد الخصوم وتبين الخطأ ألغي الحكم إداريا. كما يختلف العنوان الذي يسمى به أكبر قاض في هذه الدولة عما كان من قبل إذ عهدنا فيما سبق أنه كان يسمى في المهدية بقاضي الإسلام وفي الحكومة السابقة عليها بقاضي العموم. أما في هذه الحكومة فيسمى بقاضي القضاة، وأول قاض للقضاة هو صاحب الفضيلة الشيخ محمد شاكر، وقد عين في 28 مارس سنة 1900 فعمل جهده في وضع أسس القضاء، واعتمد على اللوائح المعمول بها في مصر في ذلك العهد، فوضع في سنة 1903 ثلاث لوائح.
فضيلة الشيخ محمد شاكر أول قاض للقضاة في السودان بعد استعادته وكان آخر منصب تولاه وكيل مشيخة الأزهر.
الأولى:
Page inconnue