406

Soudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genres

وعلاوة على هذا؛ فإنني أنظر إلى زيادة المعلومات العامة في الجغرافيا وعلم الحيوان والطيور والأسماك والحيوانات الثديية التي تسكن الجزر وما يحتمل من معرفة شيء عن قبيلة الوايتو، ومنها الرجال الذين يصنعون زوارق الغاب التي يسيرونها في البحيرة، وكذلك أملت في أن أعلم شيئا عن عمق البحيرة.

وبعد أن تمت كل الاستعدادات للرحلة، وحصلت على إذن الإمبراطور هيلي سيلاسي اصطحبت ترجماني، وسرت في قافلة من البغال في يوم 16 نوفمبر سنة 1932 متجها نحو شواطئ البحيرة، مسافرا بطريق ضفتي نهر أباي الصغير، وهو أكبر مصدر يمد البحيرة بالماء، ولا تزال ثلاثون ميلا منه غير مرسومة.

وأهم ما كشفته هنا بحيرة مستديرة أصلها بركاني، وربما كانت قائمة على فوهة بركان يبلغ قطرها نصف ميل، وتسمى تنجيتي بركان، وقد استطعت الآن أن أرسمها على الخريطة هي وتفصيل سير النهر. وفي 29 نوفمبر وصلنا إلى ليجومي على الشاطئ الجنوبي لبحيرة تانا، وهناك قابلنا على موعد بعض رجال الوايتو مع ثلاثة من زوارقهم المصنوعة من الغاب. وأول ما سافرنا في الماء اتجهنا نحو الغرب؛ لنشاهد تكون مصب نهر أياي الصغير. ذلك النهر بفعل الرواسب كون رأسين عاليين من الطمي كل منهما على ضفة، وقد أصبح طول كل منهما يمتد ميلين في البحيرة. والواقف في البر لا يمكنه أن يرى نهايتهما لأنهما محجوبتان بأعشاب البردي الطويلة. وكذلك رغبت في أن أصل إلى مكان مغطى بالغابات يقال له موكال لزيارة زعيم. واقتضاني هذا سفر يوم طويل على خلاف ما أفهمني رفاقي من الوايتو. وقد عدنا من هذه الرحلة والظلام مخيم في بحر هائج، ووصلنا إلى خيامنا منتصف الليل مقرورين جائعين، وبعض منا به وعكة خفيفة من سفر البحر.

عندما كانت المباحثات دائرة منذ ثلاث سنوات في مسألة خزان بحيرة تانا حرصت حكومة الحبشة على أن لا يمس تصميم الخزان بالديورة والكنائس الموجودة في تلك البحيرة أو حولها. فلا نعلم هل يغرق الخزان عند إنشائه بعضا منها؟ لأن تفاصيل تصميمه لم تنشر بعد. وقد اطلعنا الآن على مقال في جريدة التيمس الميجر شيسمان عن تلك الديورة والجزر التي زارها أخيرا. وهذا بعض ما جاء فيه:

رأيت مياه بحيرة تانا التي تبلغ مساحتها 40 ميلا مرارا متعددة في أثناء رحلاتي للقيام ببعض المهام الرسمية، وطفت البحيرة كلها مرتين، ورآها كثيرون من السياح الأوربيين من الشاطئ، فلا شك أن جزائرها العديدة التي يقع بعضها على بعد ثلاثة أميال من الشاطئ تستلفت أنظار السياح. وفي طليعة السياح الذين كتبوا رسائل شائقة عن البحيرة «ستيكر»، فقد زارها سنة 1881، ولكن رسالته ناقصة؛ لأنه لم يستطع أن يزور الجزر التي بنيت فيها الديورة المهمة كجزيرة داجا، وقد قال إنه لم يزرها؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يطأها سوى النساك إذ هي جزيرة تعتبر مقدسة.

وقد وضعت نصب عيني أن أطوف البحيرة كلها وأن أزور كل جزيرة وكل كنيسة وكل دير فيها. وكذلك الكنائس والديورة الموجودة على الشواطئ، وهذا الطواف يستغرق 220 ميلا. ولم يكن لي بد من ذلك لكي أقف على كل شيء؛ لأن البحيرة ليس لها خرائط دقيقة ولم يكتب عنها إلا القليل.

ويحتوي تاريخ الكنيسة الحبشية على أمور كثيرة تهم الذين يدرسون تاريخ المسيحية في عهودها الأولى. وقد أسسها فرومنتيوس نحو سنة 370، وكان أول رئيس أساقفة للحبشة كسان أوغسطين الذي جاء بعده بنحو 226 ونقل المسيحية إلى إنكلترا السكسونية، وأصبح أول رئيس أساقفة لكنتربوري.

ولكن محمد جران، وهو قائد مسلم عظيم، خرج من الأراضي التي تحتلها الآن قبائل الدناقل، وفتح الحبشة وأخضعها لسلطانه في عهد الإمبراطور لبناديجل (سنة 1508-1540)، ولكن ابن ذلك الإمبراطور أخرج المسلمين من بلاده، وكانت الحروب المتوالية سببا للإحراق والتخريب الذي أصاب جميع الكنائس وذهب طعم النار كثير من الكتب والمخطوطات. ونسخ أول أصول من الكتب المقدسة بالعبرية واليونانية. فإن كان قد نجا شيء من المكاتب فهي المكاتب الموجودة في الديورة؛ إذ كان من الصعب على الفاتحين أن يبلغوها وهم لم يكونوا مجهزين بالزوارق ولا يجيدون استخدامها، فكان من جملة أغراضي من رحلتي أن أبحث عن تلك المكاتب وأن أدون تقاليد الناس وعاداتهم وما يرونه من تابوت العهد الذي أخذ من هيكل سليمان في القدس، وهو التابوت الذي تمثله في كل كنيسة من كنائس الحبشة اليوم نسخة مقلدة من الصندوق الذي يحتوي على الألواح الحجرية التي نزل بها موسى من جبل سيناء. ويروي الأهالي أن منليك الأول جاء بالتابوت الأصلي من القدس إلى الحبشة، ويقال إنها الآن موجودة في كاتدرائية أقسوم، ولكنني سمعت أنه نقل عندما وصل إلى جزيرة في بحيرة تانا، على أننا ليس لدينا دليل مادي أو مستند يدل على أن تابوت العهد نقل إلى الحبشة، ولكن لا بد من أن يكون لدعوى كنيسة الحبشة الخاصة بالتابوت شيء من الصحة، ويظهر أن اليهود لم يعودوا يعرفون شيئا عنه بعد انقضاء مدة على اختفائه، وآخر ما ذكر عنه هو الفصل الثالث من سفر أرميا في التوراة في العدد السادس عشر.

ثم إن في تلك الجزائر أشياء كثيرة تدعو إلى الاهتمام، وتتعلق بالجغرافيا والحيوان والطيور والسماك وذوات الثدي. وقد يمكن أن يعرف المرء شيئا عن قبيلة وايتو التي تصنع الرمث من القصب لاستخدامه كالزورق في البحيرة. وخطر لي أن أعرف شيئا عن أعماق البحيرة.

وقد أكملت عدتي للقيام بهذه الرحلة، وحصلت على إذن من الإمبراطور هيلاسلاسي، وسافرت في 19 نوفمبر سنة 1932 إلى البحيرة يصحبني ترجماني وقافلة من البغال، وتتبعت في طريقي ضفاف نهر أباي الصغير الذي يصب في البحيرة، ولم يرسم نحو ثلاثين ميلا من قسمه الأسفل على الخريطة بعد. وأهم ما اكتشفته في طريقي بحيرة مستديرة ذات أصل بركاني، وهي تسمى «بركة تنجيتي»، ويبلغ قطرها نحو كيلومتر واحد، فرسمتها على الخريطة هي والقسم الذي لم يرسم من النهر.

Page inconnue