389

Soudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genres

ايطاليا وإنكلترا

دخلت إيطاليا الحرب العظمى مع الحلفاء، فوعدتها إنكلترا في وثيقة رسمية مؤرخة في لندن سنة 1915 بالمادة 13 أنه في حالة الانتصار واتساع ممتلكات بريطانيا وفرنسا على حساب ألمانيا، فإنه يرخص لإيطاليا بتوسيع مستعمراتها وتمديد حدودها في ليبيا «يعني حدود طرابلس على حساب مصر» وفي مستعمرتي الأرترية والصومال الإيطالي.

وفي سنة 1920 حصل اتفاق بين لورد ملنر والسنيور شيالوجا بمنح إيطاليا 90 ألف كيلومتر مربع في ليبيا شرقا تستغرق جغبوب، ونص على تخويل إيطاليا حق تمديد مستعمرتيها المجاورتين للحبشة مقدارا بمقدار 116000ك.م في الأرترية و2000ك.م في الصومال.

واقترحت إيطاليا على إنكلترا أن تتعاقد سويا على تنظيم مصالحهما العليا بالحبشة، وتتلخص في الجانب الإنكليزي في إنشاء قناطر على بحيرة تسانا، وعمل طريق من السودان إلى البحيرة، وللجانب الإيطالي إنشاء خط حديدي يخترق غرب الحبشة بين الأرترية والصومال مارا غربي أديس أبابا، وتخويل إيطاليا حقوق الامتياز على غرب الحبشة، ودخلت هذه المفاوضات الجديدة إلى دور تبادل الوثائق في المدة من 14 إلى 20 ديسمبر سنة 1925، ولا تزال إيطاليا ماضية في مهمتها الاستعمارية بالحبشة. أما الإنكليز فقد اعترضهم منذ عام 1927 عامل دولي جديد، ذلك هو ظهور الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الحبشة.

أمريكا بالحبشة وتسانا

ليس لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرات بالحبشة، ولكنها مع ذلك تتمتع بنفوذ كبير لدى حكومة النجاشي بفضل ما حبا الله الأمريكيين من حب حرية الغير، وتشبعهم بالعدالة في تبادل المنافع، وفضلا عن هذا فإن الأمريكيين يسيطرون على جانب عظيم جدا من تجارة الحبشة، وتكاد جلود الحيوان تستأثر أمريكا باستيرادها من الحبشة، وهي من أعظم ثروات الحبشة.

وقد عن لبعض الأمريكانيين أن يقدموا للرأس طفرى في عام 1927 مشروعا جليل الشأن مؤداه اتخاذ بحيرة تسانا خزانا للمياه لتنظيم الري ببعض أقاليم الحبشة، ثم توليد الكهرباء عند مخرج البحيرة لإنارة كثير من مدائن الحبشة وإقامة صناعات كبرى، هذا فضلا عن إمكان بيع الماء من خزان تسانا إلى حكومة السودان لري الجزيرة الموعودة، وطربت حكومة الحبشة بهذه المقترحات الدسمة، وكان أمامهما عقبتان؛ الأولى سياسية لأنها تخشى معارضة إنكلترا لتدخل أمريكا، والثانية مالية.

وقد عقدت إنكلترا لحكومة السودان قرضا مقداره خمسة عشر مليون جنيه بفائدة خمسة في المائة، ومن سنة 1920 وحكومة السودان ماضية في استعمار أرض الجزيرة بإنشاء خزان سنار وترع ومصارف وآلات وحقول قطن من هذا القرض. وقد صرف القرض والشركات الإنكليزية مع حكومة السودان يعولان في استثمار القرض وتغطيته على التوسع في زراعة القطن السكلاريدس بالجزيرة، وقد عجز خزان مكوار عن سد حاجات التوسع الزراعي بالجزيرة باعتراف جميع المهندسين في السودان، وأصبح مشروع الجزيرة متوقفا نجاحه على إنشاء خزان بحيرة تسانا، فهو العلاج الأوحد.

لهذا أشفقت إنكلترا من استئثار أمريكا بإنشاء الخزان لمصلحة الحبشة، فأقامت الصحف البريطانية ضجة كبرى حول النفوذ الأمريكي في سنة 1927، وردد البرلمان المصري صوته داعيا إلى إيقافه على حقائق مجرى الأمور وعلى صون مصالح مصر.

ولا حاجة بنا إلى إعادة تفاصيل تلك الضجة، وإنما نذكر أن سير أوستين شمبرلين - وزير الخارجية البريطانية يومئذ - لوح لحكومة الحبشة في خطاب بمجلس النواب البريطاني في 15 نوفمبر سنة 1927 بتعهدات منليك بإعطاء حكومتي إنكلترا والسودان حق الأولوية في إنشاء خزان بحيرة تسانا، وذلك في سنة 1912، ثم صرح بأن الرأس تفري قد أنهى إليه الممثل البريطاني في أديس أبابا بوجوب احترام حقوق إنكلترا.

Page inconnue