382

Soudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genres

وموسم الأمطار في جنوب السودان هو أبدع المواسم جميعا من حيث المناخ، ولكنه للأسف يجعل النقل والتنقل غاية في الصعوبة، حيث يضطر الإنسان في أكثر المناطق أن يجتاز المسافات الشاسعة سيرا على قدميه. والسير يكاد يكون مستحيلا في بعض الجهات نظرا لطبيعة الأرض وكثرة المستنقعات. وفي الجنوب الأقصى حيث لا يمكن استخدام وسائل النقل الميكانيكية لا يجد الإنسان مناصا من استخدام الآدميين للنقل بسبب كثرة ذباب «تسي تسي» الذي يفتك بالدواب فتكا ذريعا.

النباتات

ونباتات المستنقعات في أعالي النيل كثيرة ومحيرة لمن لا يعرف علم النبات. فالبردي مثلا كثيف جدا في بحر الجبل، ولكنه قليل جدا في بحر الغزال. وتوجد في بعض المناطق حشائش طويلة كثيفة تعيق الملاحة، كما توجد في مناطق أخرى حشائش عائمة ذات أنواع مختلفة، وقد لا يكون مضيعا للوقت أو المال أن يتوفر الإنسان على دراسة طبائع النباتات في تلك المناطق لمعرفة النوع الذي يمكن إنماؤه على الشواطئ لمنع التآكل.

على أن أضرار هذه الحشائش والنباتات ليست كبيرة كما كانت منذ ثلاثين عاما حين كانت تسد بحر الجبل وترغم البعثات العلمية والاستكشافية عل قضاء الشهور الطويلة في محاولة إزالتها. ولعل أهم هذه النباتات هو البردي وتلك الحشائش العائمة التي أتينا على ذكرها. فإنها تتماسك في بعض الأحيان حتى تحجز الماء فيخرج النهر من مجراه الطبيعي. وقد تعددت هذه الظاهرة في المدة بين سنة 1863 وسنة 1903.

وقد حاول الكثيرون استثمار هذه النباتات، ولا تزال توجد بمقربة من بحيرة «نو» بقايا مصنع أريد به - ولا شك - الانتفاع بتلك الحشائش؛ إذ لا ريب في أنه يمكن صنع الورق والبوتاس والوقود والكحول وغير ذلك كله من النباتات غير المحدودة التي تنمو في منطقة السدود. بيد أن غلاء أجور نقل المواد الأولية والمنسوجات من شأنه أن يقضي على مستقبل كل مشروع صناعي.

على أنه لما كان ثمن البترول مرتفعا جدا في جنوب السودان وأواسط أفريقيا، فإنه من الممكن استنباط وقود جديد من تلك النباتات كالكحول مثلا. ومن رأيي أن مشروعا كهذا قد يوتي أكله ويصبح من المشروعات التجارية الهامة.

الحيوانات

توجد في أعالي النيل مجموعة عجيبة من الحيوانات الضخمة والصغيرة. فأنت تستطيع دائما أن ترى قطعان الفيلة حول بحر الغزال وفي «ريجاف»، وتستطيع أن ترى التماسيح والغزلان والوعول، وقد يسعدك الحظ فترى أسدا. وقد شهدت في إحدى سياحاتي جميع هذه الأنواع كما شهدت الحمار البري، والفهد، ووحيد القرن.

وأما الأسماك فكثيرة، وبينها ما يزن مائتي رطل، وأكثرها يزن 20 رطلا أو ما يقرب من ذلك، غير أنه من الصعب اصطيادها بغير الشباك التي يستعملها المصريون.

والطيور كذلك كثيرة، ولكنها ليست أكثر من الهوام التي تضايق الإنسان أشد المضايقة، وفي منطقة السدود نوع من الذباب يلدغ الإنسان ويؤلمه، ولكنه لا ينقل إليه الجراثيم كما يفعل ذباب «تسي تسي» الذي يحمل جرثومة مرض النوم ويصيب به الإنسان والحيوان على حد سواء.

Page inconnue