164

Soudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genres

كان في الوزارة العثمانية حزبان أحدهما معتدل لم يبرح عن باله ما كانت بريطانيا العظمى تبذله من العطف والمساعدة لكل مجهود نحو الإصلاح في تركيا ومقتنع بأن الحرب التي دخل فيها جلالته لا تمس مصالح تركيا في شيء ومرتاح بما صرح به جلالته وحلفاؤه من أن هذه الحرب لن تكون وسيلة للإضرار بتلك المصالح لا في مصر ولا في سواها. أما الحزب الآخر فشرذمة جنديين أفاقين لا ضمير لهم أرادوا إثارة حرب عدوانية بالاتفاق مع أعداء جلالته معللين أنفسهم أنهم بذلك يتلافون ما جروه على بلادهم من المصائب المالية والاقتصادية. أما جلالته وحلفاؤه فمع انتهاك حرمة حقوقهم، قد ظلوا إلى آخر لحظة وهم يأملون أن تتغلب النصائح الرشيدة على هذا الحزب؛ لذلك امتنعوا عن مقابلة العدوان بمثله حتى أرغموا على ذلك بسبب اجتياز عصابات مسلحة للحدود المصرية ومهاجمة الأسطول التركي بقيادة ضباط ألمانيين ثغورا روسية غير محصنة.

ولدى حكومة جلالة الملك أدلة وافرة على أن سمو عباس حلمي باشا خديوي مصر السابق قد انضم انضماما قطعيا إلى أعداء جلالته منذ أول نشوب الحرب مع ألمانيا، وبذلك تكون الحقوق التي كانت لسلطان تركيا وللخديوي السابق على بلاد مصر قد سقطت عنهما وآلت إلى جلالته.

ولما كان قد سبق لحكومة جلالة الملك أنها أعلنت بلسان قائد جيوش جلالته في مصر أنها أخذت على عاتقها وحدها مسئولية الدفاع عن القطر المصري في الحرب الحاضرة، فقد أصبح من الضروري الآن وضع شكل للحكومة التي ستحكم البلاد بعد تحريرها، كما ذكر، من حقوق السيادة وجميع الحقوق الأخرى التي كانت تدعيها الحكومة العثمانية.

فحكومة جلالة الملك تعتبر وديعة تحت يدها لسكان القطر المصري جميع الحقوق التي آلت إليها بالصفة المذكورة. وكذلك جميه الحقوق التي استعملت في البلاد مدة سني الإصلاح الثلاثين الماضية. وقد رأت حكومة جلالته أن أفضل وسيلة لقيام بريطانيا العظمى بالمسئولية التي عليها نحو مصر أن تعلن الحماية البريطانية إعلانا صريحا، وأن تكون حكومة البلاد تحت هذه الحماية بيد أمير من أمراء العائلة الخديوية طبقا لنظام وراثي يقرر فيما بعد.

بناء عليه قد كلفتني حكومة جلالة الملك أن أبلغ سموكم أنه بالنظر لسن سموكم وخبرتكم قد رئي في سموكم أكبر الأمراء من سلالة محمد علي أهلية لتقلد منصب الخديوية مع لقب «سلطان مصر». وإنني مكلف بأن أؤكد لسموكم صراحة عند عرضي على سموكم قبول عبء هذا المنصب أن بريطانيا العظمى أخذت على عاتقها وحدها كل المسئولية في دفع أي تعد على الأراضي التي تحت حكم سموكم مهما كان مصدره. وقد فوضت لي حكومة جلالته أن أصرح بأنه بعد إعلان الحماية البريطانية يكون لجميع الرعايا المصريين أينما كانوا الحق في أن يكونوا مشمولين بحماية حكومة جلالة الملك.

وبزوال السيادة العثمانية تزول أيضا القيود التي كانت موضوعة بمقتضى الفرمانات العثمانية لعدد جيش سموكم وللحق الذي لسموكم في الإنعام بالرتب والنياشين.

وأما فيما يختص بالعلاقات الخارجية فترى حكومة جلالته أن المسئولية الحديثة التي أخذتها بريطانيا العظمى على نفسها تستدعي أن تكون المخابرات من الآن بين حكومة سموكم وبين وكلاء الدول الأجنبية بواسطة وكيل جلالته في مصر.

1

وقد سبق لحكومة جلالته أنها صرحت مرارا بأن المعاهدات الدولية المعروفة بالامتيازات الأجنبية المقيدة بها حكومة سموكم لم تعد ملائمة لتقدم البلاد. ولكن من رأي حكومة جلالته أن يؤجل النظر في تعديل المعاهدات إلى ما بعد انتهاء الحرب.

وفيما يختص بإدارة البلاد الداخلية علي أن أذكر سموكم بأن حكومة جلالته طبقا لتقاليد السياسة البريطانية قد دأبت على الجد بالاتحاد مع حكومة البلاد وبواسطتها في حماية البلاد الحرية الشخصية وترقية التعليم ونشره وإنماء مصادر ثروة البلاد الطبيعية، والتدرج في اشتراك المحكومين في الحكم بمقدار ما تسمح به حالة الأمة في الرقي السياسي. وفي عزم حكومة جلالته المحافظة على هذه التقاليد. بل إنها موقنة بأن تحديد مركز بريطانيا العظمى في هذه البلاد تحديدا صريحا يؤدي إلى سرعة التقدم في سبيل الحكم الذاتي، وستحترم عقائد المصريين الدينية احتراما تاما كما تحترم الآن عقائد نفس رعايا جلالته على اختلاف مذاهبهم، ولا أرى لزوما لأن أؤكد لسموكم بأن تحرير حكومته لمصر من ربقة أولئك الذين اغتصبوا السلطة السياسية في الأستانة لم يكن ناتجا عن أي عداء للخلافة، ولا علاقة له البتة بالروابط السياسية التي بين مصر والأستانة، وأن تأييد الهيئات النظامية الإسلامية في مصر والسير بها في سبيل التقدم هو بالطبع من الأمور التي تهتم بها حكومة جلالة الملك مزيد الاهتمام، وستلقى من جانب سموكم عناية خاصة. ولسموكم أن تعتمدوا في إجراء ما يلزم لذلك من الإصلاحات على كل انعطاف وتأييد من جانب الحكومة الإنكليزية. وعلي أن أزيد على ما تقدم أن حكومة جلالة الملك تعول بكل اطمئنان على إخلاص المصريين ورويتهم واعتدالهم في تسهيل المهمة الموكولة إلى قائد جيوش جلالته المكلف بحفظ الأمن في داخل البلاد ومنع كل عون للعدو.

Page inconnue